أحسنت دول الخليج بتغيير أسلوبها موخرا للتعامل مع أزمة كورونا، واعتماد أسلوب الاطمئنان والواقعية، ما انعكس على نفسيات الشعوب الخليجية إيجابا. قلناها سابقا وكررناها، إن دول الخليج تختلف خصائصها الديموغرافية والصحية عن كثير من دول العالم، لذلك لا يجب أن يطبق المنحنى الوبائي الأوروبي أو الأمريكي على الخليج، ولن يعاد سيناريو إيطاليا في الخليج إن شاء الله، وركزنا على نقاط قوة الخليج وبالأرقام، وذكرنا منذ بداية الأزمة التالي:

• عدد الوفيات في الخليج يعتبر من الأقل في العالم

• ركزنا على عدد الحالات الحرجة التي تستنزف الخدمات الصحية، وهي من تحتاج للعناية المركزة والتنفس الصناعي، وزيادتها تؤدي إلى زيادة الضغط على النظام الصحي، ومن ثم انهياره، ما يؤدي إلى زيادة الوفيات كما حدث في أوروبا. وقلنا إن نسبة الحالات الحرجة في الخليج قليلة جدا وذكرناها بالنسب والأرقام، وهي مطمئنة جدا.

• ركزنا على استخدام البروتوكولات الطبية الجديدة، وذكرناها وأوصينا بها في مقالنا قبل أشهر في الوطن.

• ركزنا على الفئة العمرية 65 سنة وما فوق، ونسبتها وأهميتها في الخليج والحرص عليها.

• ركزنا على لبس الكمامات للجميع (نعم للجميع!) وتطبيق الإجراءت الصحية والتباعدية الأخرى.

• قلنا إن عدد الحالات الكلي سيزيد منطقيا كل ما زادت الفحوصات، فلا تكتئبوا لأنه يجب أن نذكر أن 80 %من المرضى يشفون دون علاج، بل كثير منهم لا يعرف أنه قد أصيب بالمرض، فلا يشكلون ضغطا كبيرا على النظام الصحي.

تعرضنا لهجوم كبير لأننا قلنا هذه النقاط، وأبرزنا خصائص الخليج، ولأننا ندعو للتفاؤل منذ بداية الأزمة، الدعوة للتفاؤل والاطمئنان كانت عند البعض سيئة. ربما تجد العذر لعامة الناس لأن الإنسان عدو ما يجهل، لكن بعض العاملين في المجال الصحي ركبوا الموجة، لظنهم أنهم ربما يتقربون من بعض المسؤولين.

أما عندما طرحت توصية تخفيف الحظر التدريجي لدول الخليج - مع أنها توصية بناء على الأرقام ولكل دولة تفعل

ما تراه يناسبها- جاءت موجة أخرى من الهجوم، دون طرح رأي علمي، وأنا متأكد أن بعض الجهات لم تستخدم شركة علاقات عامة للهجوم.

الحمد لله قيادات دول الخليج حكيمة ولها نظرة إستراتيجية بعيدة، وتقيس الأمور بحنكة، وأجرت تخفيفا للحظر، ليس لتوصية من فلان أو علان لكن المؤشرات لديهم وخططهم الإستراتيجة تتناسب مع التخفيف.

الآن نرى الكثير من الجهات الخليجية، تبنت إستراتيجية الاطمئنان والواقعية، وبدأت تركز في خطاباتها على عدد الحالات الحرجة وعدد الوفيات القليل جدا، ولبس الكمامات للجميع، وبرتوكولات العلاج التي أوصينا بها، وأصبح من كان يهاجم تفاؤلنا بالأمس، يستخدم المفردات نفسها، ويدعو للتفاؤل والطمأنينة. لا أعلم ما حصل؟ هل لدى البعض انفصام بالشخصية في تويتر، أو غير جلده بين ليلة وضحاها بعد أن قرأ الموجة الجديدة! تسأل نفسك، كيف كان التفاؤل خطيئة سابقا، والآن أصبح هو الحسنة!

قبل سنتين كتبنا عن جائحة وفيروسات، ستضرب العالم بمقال (ويل للبشر من شر قد حضر)، وقلنا إن الموضوع مجرد وقت لا أكثر. عندما تكون في المعمعة وتتعامل مع الفيروسات، وبرمجة الخلايا والتعديل الجيني لسنوات، ستعرف ما يحدث لاحقا دون أن تكون عرافا! وربما أجد عذرا للناس بالخوف من الأزمة، أكثر منا نحن الذين نتعامل مع الفيروسات والتعديل الجيني، ونعرف أنها أزمة وتمر.

أحاول أن أجد سببا للتغير في خطاب بعض الجهات التي أصبحت تتبنى الخطاب نفسه الذي تبنيناه منذ بداية الأزمة، وهذا شيء محمود جدا أنهم بدؤوا تبني ما يناسب منطقة الخليج. كانوا يسموننا بالمتفائلين، وهذا شيء جيد سواء كانوا يعنون ذلك صدقا أو هزلا. أعتقد أن سبب ما حصل لهم، أن هناك ثلاثة أضلاع لإدارة أزمة كورونا «ضلع العلماء، وضلع الأطباء والممارسين، وضلع الإداري أو القيادي».

لتصل لقرار سليم يجب أن تعمل على دمج هذه الأضلاع بحكمة، فالطبيب يريد اللقاح خلال وقت قصير، وهو لا يعلم أن الموضوع يستغرق سنوات عادة. والعلماء يضحكون في مختبراتهم من طلب الأطباء، لكنهم لا يرون بشكل يومي حاجة المرضى والضغط في العناية المركزة والحالات الحرجة والوفيات، وكلاهما لا يرى حال الاقتصاد والأعمال، بينما القيادي يسمع ما يقوله الاثنان ويريد أن ينظر أيضا للصورة الأكبر وعوامل أخرى، مثل حياة الناس واقتصادهم وأعمالهم، ويجب أن يوازن بين جميع العوامل. دائما ما نواجه هذه المعضلة في عملنا، وكنا محظوظين بتوفيق الله وحده أن نستطيع الموازنة بين الأضلاع، فالعلماء يسمعون منا، والأطباء أيضا يسمعون منا، كطبيب ممارس والقياديون يسمعون منا لتخصصنا في الإدارة السياسية. هذه الأزمة علمتنا استخدام التخصصات الثلاثة، خصوصا في اللجان التي انشغلنا فيها.

من أكثر الأشياء التي أخشى على الشعب الخليجي منها، ليس فقط الفيروس، ولكن الخوف منه، لأن الخوف يدمر الجسم، بل يضعف المناعة التي هي السلاح الأول ضد الفيروس، نحتاج لجرعات من التفاؤل لزيادة المناعة، لذلك كنت حريصا على بث جرعات من التفاول الواقعي والعلمي للشعوب الخليجية منذ بداية الأزمة، لمحاولة تقوية حائط الصد الأول ضد الفيروس، وهو المناعة، خصوصا أننا رأينا الإعلام وبعض الجهات تبث كالسيل الأخبار السلبية والمبالغ فيها، ظنا منها أن هذا يؤدي إلى زيادة الحرص.

نحن أمة وسط، لا إفراط ولا تفريط، اتبعوا التعليمات وتفاءلوا، جائحة كورونا بإذن الله ستتقلص خلال أسابيع، والعالم الآن يستعد لمواجهة ما بعد كورونا، وربما يستعد للشتاء القادم. لكن في كل الأحوال، الخليج أقوى اقتصاديا وصحيا وحتى استعدادا من كثير من دول العالم، بل إن هذه الأزمة زادت من قدرته على التعامل المستقبلي مع الأزمات. وأدعو بعض الجهات إلى تغيير بعض المستشارين المتشائمين، واستبدالهم بمستشارين واقعيين شفافين، حتى لو كانوا بآرائهم مختلفين، وبعض التفاؤل لن يضر أبدا.