«الجبناء دائماً قساة». هذا ما قاله المؤرخ الإنجليزي إدوارد جيبون.

وهذا ما فعلته «جحافل» الحوثي الانقلابي الخائفة، حين حشدت قبيل قرابة الشهرين أكثر من 30 طاقما عسكريا، ومدرعة عسكرية وأسلحة ثقيلة لاقتحام منزل اليمني أحمد محمد الأصبحي في البيضاء، حين كان غائبا عن منزله في محافظة عدن، وكان أبناؤه غائبين أيضا، وقتلوا ابنته جهاد في منزلها الذي نهبوا كل محتوياته ومقتنياته، وعاثوا فيه فسادا. لجأت أسرة شهيدة الغدر والاستقواء (جهاد) إلى الشيخ ياسر العواضي وأسرته للمطالبة بوقفته الصادقة معهم لمواجهة الحوثيين، والدعوة الفعلية للنكف القبلي للأخذ بثأر الفتاة التي قتلت بلا جريرة ولا ذنب، ولم تكن قادرة على مقاومة 33 فرقة ودبابة وأسلحة ثقيلة. وبدأت القبائل تتفاعل وتدعم موقف قبائل العواضي وتستجيب لتكون مبادرة إحياء النكف القبلي، وخطوة الانطلاق الفعلية من البيضاء بعد أن توارى النكف القبلي كثيراً. بعيد الجريمة، وقبل أن تعود أسرة الأصبحي إلى منزلها بعد مقتل ابنتها جهاد، بادر أحد المشايخ بتسجيل بلاغ لسلطة الحوثيين في صنعاء، مع المطالبة بتسليم الجناة لما يسمى العدالة، إلا أن الحوثيين رفضوا النظر للبلاغ، وماطلوا في تسليم الجناة، ولم يتجاوبوا مع مطالب ذوي الشهيدة أو قبيلتها.

البيضاء

تعد محافظة البيضاء من أهم المحافظات اليمنية، وهي تقع إلى الجنوب الشرقي من العاصمة صنعاء، متوسطة عدة محافظات يمنية، وتربطها حدود بمحافظات مهمة وكبيرة مثل مأرب وشبوة في الجهة الشمالية، ومن الشرق أجزاء من محافظتي شبوة وأبين، وتمتد حدودها جنوبا على أجزاء من محافظات أبين ولحج والضالع، ومحافظات الضالع وإب وذمار تحدها من الجهة الغربية.

ومن أشهر مدن المحافظة، مدينة البيضاء ورداع عاصمة الدولة الطاهرية التي حكمت اليمن خلال النصف الأول من القرن العاشر الهجري، ومن أبرز معالمها التاريخية مدرسة العامرية التي تعد قمة في الفن المعماري الإسلامي، وكذلك المناطق الأثرية المنتشرة في كل أرجاء المحافظة.

شراء الذمم

قاومت محافظة البيضاء مثل باقي المحافظات اليمنية ضد المشروع الحوثي، ورفضت القبول به وبعناصره وواجهت بقوة، إلا أن الخيانات والعمالة لصالح الحوثيين أسقطت بعض المواقع والمحافظات بأيدي الحوثيين دون مقاومة. وتمكن مسلحو الحوثي في فبراير 2015 من دخول مديرية الزاهر بمحافظة البيضاء، بعد اتفاق مع زعماء القبائل، ومفاوضات ضمت عددا من زعماء قبائل آل حميقان مع قيادات حوثية ميدانية وسمح للحوثيين بالدخول إلى وسط المديرية دون أي مواجهات أو مقاومة، وبذلك استطاع الحوثيون شراء الذمم مثلما استطاعوا في كثير من المواقع اليمنية الأخرى.

النكف القبلي

يقول عضو مؤتمر الحوار الوطني الشيخ فضل العواضي لـ»الوطن» : الأوضاع في البيضاء لا تزال متوترة والقبائل لا تزال تتوافد للنكف القبلي، وحاليا وصلت قبيلة بني ظبيان والدعم بالرجال والأسلحة، لافتاً إلى أن البيضاء ستنتفض انتفاضة رجل واحد هذه المرة تحت شعار النكف القبلي لمواجهة التطاولات الحوثية وقمعها، وتابع «الجميع اليوم يدركون تماماً أن الموقف موقف كرامة وعرض .. لذا الجميع يقفون مع العواضي حتى المتعاطفين مع الحوثي تراجعوا وحددوا موقفهم».

البيضاء مختلفة

يضيف العواضي: البيضاء اليوم ليست البيضاء أمس .. اليوم مختلف والجميع ينتفض ضد الحوثيين ولا مكان للمتخاذلين، والناس هنا يدركون أن ما حدث للفتاة جهاد سيكون مصير الكثير من أهالي البيضاء إن صمتوا.. وإن الصمت على هذه الجريمة الشنعاء هو صمت على تطاول الحوثيين على الأرض والعرض. ويلفت إلى أن الحوثي كذاب ولا يمكن أن يفي بأي التزام أو عهد أو وعد وأن العديد من التجارب والأدلة واضحة وصريحة حول هذه الحقيقة، وأردف: حاليا الترتيب قائم على قدم وساق .. وهناك أمور يتم ترتيبها خصوصاً نحن ننظر لما بعد النكف القبلي لإدارة مؤسسات الدولة، وستكون نقطة إحياء وانطلاقة النكف القبلي من البيضاء الذي سيرفع الراية البيضاء لها باذن الله.

استجابة القبائل

يؤكد أحد أبناء البيضاء، المحلل والإعلامي اليمني ناصر الشليلي أنه فيما يخص النكف القبلي الذي دعا إليه الشيخ ياسر العواضي فإنه انتصار لكرامة ودم الشهيدة، وقد لبى دعوة النكف عدد من مشايخ وأبناء القبائل اليمنية وفي مقدمتهم قبائل ومشايخ البيضاء، فيما لا تزال حتى اللحظة تتوافد وفود القبائل إلى مديرية ردمان استجابة لداعي النكف، وتابع: وصلت وفود عدد من قبائل البيضاء وأيضا قبائل مراد وعبيدة وبني عبد من مأرب وقبائل إقليم سبأ. كما وصلت وفود من قبائل يافع والعوالق وغيرها من قبائل الجنوب، وأيضا وفود من عدد من قبائل اليمن

ومازالت ردمان حتى اللحظة تستقبل هذه الوفود التي جاءت تلبية لداعي النكف انتصاراً للأعراض والحرمات ودم الشهيدة المغدورة جهاد الأصبحي.

مخاوف حوثية

يشير فضل العواضي إلى أن الحوثيين يعيشون قلقا ومخاوف من النكف القبلي ويدركون تماماً أنه بمجرد انتفاضة القبائل ستخرجهم في لمحة البصر.. ويدركون أيضاً أن انتفاضة القبائل تشكل خطرا كبيرا عليهم، وتابع: لذا شعارنا النكف القبلي.. ولدينا حتى هذه اللحظة أكثر من 7000 مقاتل جاهزون لمواجهة الحوثيين غير رجال القبائل والنكف القبلي ومستعدون لاقتحام معسكرات الحوثي ومناطق سيطرته وبعثرتها.

استعطاف المشايخ

يضيف العواضي أن الحوثيين يتوغلون حاليا في قبيلة آل عواض من أجل شراء الذمم وتفريق الرأي، ولكنهم فشلوا لضعف حجتهم وحقارة أسلوبهم كون آل عواض ممتعضين من تصرفاتهم مع القبائل الأخرى، إضافة إلى أنهم ضد الإمامة وسبق وحاربها آباؤهم وأجدادهم، ومن ثم لجأ الحوثيون إلى زيارة مشايخ البيضاء والشخصيات الاجتماعية التي تقبع تحت سلطتهم، ولكن كان موقفهم واضحا بأن أهل الشهيدة جهاد الأصبحي لجأوا عند آل عواض لرفع المظلومية عليهم وأي كلام يريده الحوثيين يجب أن تذهب إلى آل عواض وتتكلم معهم. ويقول إن الحوثي لا يزال يخطط ويزور القبائل في البيضاء، في حين أن الكل مستاء منه ومن تصرفاته وهيمنته، ولم يتجاوب معه سوى من انسلخ من أسلاف وأعراف القبائل الحقيقية وتمسك بنهج الحوثيين المتمثل في الظلم والتهجير والتفجير، في حين أن آل عواض وعلى رأسهم آل محمد أحمد مراغة قبائل آل عواض يقفون وقفة رجل واحد مع النكف القبلي الذي دعا إليه الشيخ ياسر العواضي.

تكثيف الهجمات

يضيف الإعلامي اليمني ناصر الشليلي، أن الحوثيين يتجاهلون فعلتهم السوداء وقتلهم لنفس بريئة، ويحاولون التغطية على ذلك بالقيام بهجمات متوالية ومكثفة على البيضاء وجبهة قانية بغرض قطع الطريق إلى ردمان ومحاصرتها ليتمكنوا بعد ذلك من مهاجتمها.

ممارسات حوثية

يقول المحامي محمد علي علاو لـ»الوطن»: ما حدث في البيضاء تجاه الشهيدة جهاد الأصبحي هو جريمة لا يقرها دين ولاعرف ولا أخلاق، جريمة منكرة وهدم للذمم والأخلاق والقيم والأعراف، وهذا أمر يخل بأعرافنا وأعراف القبائل بالكامل.. وحصل أن تم استدعاء شيخ المنطقة من جانب الحوثيين، والتفاهم معه ورغم ذلك لم يفِ الحوثيون بشيء مما وعدوا به. وتابع المحامي بالقول «المسالة أن هذه عادة معتادة لدى الحوثيين يقتلون الأبرياء ويماطلون ويكذبون ويستهترون بأرواح الناس، ويواصلون العبث ضد الأبرياء دونما وجود أي إيقاف فعلي لهم عند حدهم.. وقد مارسوا مثل ذلك من قبل في المحافظة.. وكذبوا وفجروا وخانوا ولم يسبق لهم أن أوفوا بعهد واحد أو التزام بأي أمر كان».

موقف موحد

يضيف علاو: تواصلنا مع كافة مشايخ المحافظة وكان موقفنا جميعا - أبناء المحافظة - نتفق فيما اتخذ من قرار من جانب الشيخ ياسر العواضي، لأنه بصراحة طفح الكيل ولا يمكن القبول بهذه العنجهية الحوثية وما حدث منهم، كما حضر والد المجني عليها الشهيدة جهاد الأصبحي إلى ردمان، وتم التشاور مع كافة مشايخ المحافظة الكبار والعقلاء، وكان الموقف القبلي متفقا تماما ومفوضا للشيخ ياسر العواضي لاتخاذ ما يراه مناسبا.

موقف شهامة

يقول علاو إن الناس جميعهم في موقف موحد من خلال ثلاثة شروط الأول تسليم الجناة إلى القضاء لمحاكمتهم، والشرط الثاني إبعاد كافة المشرفين الحوثيين ولا يمكن أن يقبل أحد منهم في البيضاء رغم أن الحوثيين يحاولون التبرير بما يسمى أجهزة الدولة والضغط على بعض المشايخ من أجل تغيير وجهات نظرهم والتنازل عن بعض الشروط بهدف تشويه الموقف العام لأبناء المحافظة باستغلال النتوءات الأمنية، وتابع «هذا مرفوض وموقفنا معروف ونحن ضد الإرهاب بكل أشكاله وصوره .. وموقفنا موقف قبلي .. موقف شهامة ونخوة عربية لاعلاقة له بمواقف سياسية أو أي صراعات أخرى».

استعادة الكرامة

يختتم علاو بأن أبناء المحافظة يجتمعون اليوم على شرف استعادة كرامتهم، ولن يسمحوا للحوثيين بتسيير الأمور كيفما يريدون، وتابع «الشهيدة شهيدة المحافظة بأكملها والمكلف لا تدخل في حرب أو صراعات أو مواجهات.. ولكن الحوثيين عبثوا بكل القيم وهدموا كل العادات.. ونحن في هذا الإطار لا يمكن أن نتنازل عن مواقفنا.. والناس على قلب رجل واحد تجاه الحوثيين والنصر سيكون لأهالي البيضاء وقبائل اليمن بشكل عام». ويؤكد تمسك أبناء البيضاء باستعادة قيمة القبيلة التي حاول الحوثيون تهميشها وطمسها والعبث بها لصالح المشروع العرقي والطائفي الديني المتطرف، إضافة إلى استعادة القبلية مكانتها وحيويتها وأن الفرصة مواتية حاليا، وتابع: هنا ندعو كافة أبناء القبائل للاستعداد لأن الموقف موقف شرف.. وهذا القرار أتى بإرادة ورغبة لأهالي البيضاء.

ماذا يعني النكف القبلي

النكف عرف قبلي للنصرة أو استعادة كرامة

تحشد قوة قبلية كبيرة قد تجمع فروع قبيلة واحدة أو مجموعة قبائل

تجتمع القبائل تحت هدف واحد مشترك ضد جهة قبلية أخرى

التجمع للرد على جهة ارتكبت أخطاء مثل القتل وهتك العرض

كيف تنظر القبائل إلى حادثة الشهيدة

جريمة لا يقرها دين ولاعرف ولا أخلاق

جريمة منكرة وهدم للذمم والأخلاق والقيم والأعراف

أمر يخل بأعراف المجتمع والقبائل بالكامل

الشهيدة تمثل شهيدة البيضاء كلها

ما حجم انتفاضة القبائل ضد الحوثي

تم تحشيد 7000 مقاتل لمواجهة الحوثيين

توافد وفود القبائل إلى مديرية ردمان

وصول وفود من قبائل البيضاء ومأرب وقبائل إقليم سبأ

الاستعداد لاقتحام معسكرات الحوثي ومناطق سيطرته