تمر علينا في بعض الأحيان أشكال من التوهم عند الشعور ببعض الأعراض، أو عند رؤية بقعة داكنة على الجسم، أو عند الإحساس بآلام غامضة في الجسم، بأننا مصابون بنوع من السرطان أو بأمراض مخيفة، هذه المخاوف من المرض تمر بأذهان معظمنا في بعض الأوقات، ولا تصنف هذه الحالة بأنها مرضية إذا كانت في حدود معينة، ولكن عندما تصبح مخاوف المرض أكثر إلحاحا إلى درجة أن الشخص يعتقد بأنه سوف يصاب بكل مرض مخيف يسمع عنه، أو يرى أشخاصا آخرين مصابين به، لدرجة أنه يذهب لاستشارة الطبيب بصورة متكررة عندما تزداد مخاوفه، عندئذ نستطيع القول إن المريض مصاب بتوهم المرض.

نحن اليوم نعيش عام «فيروس كورونا» بامتياز، ونواكب الضخ الإعلامي العالمي المتواصل الذي لا يكف عن سرد أعداد الموتى في كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة، فإن جائحة «رهاب المرض» ستطال المجتمعات على أوسع نطاق، فالفيروس يحاصرنا إعلاميا من كل الاتجاهات، ولا أحد ينجو من غارات الفيروس، كبار السن أو صغاره، المرضى والأصحاء، الرجال والنساء والأطفال، وحتى رؤساء الدول ومشاهير الفن والرياضة، الكل وقع فريسة، والكل توهم أنه مصاب بفيروس كورونا، ولعل إحساسا بسيطا بألم في الحلق أو زكاما عارضا، كفيل بأن يدخلك عالم الأوهام من أوسع أبوابه. وحينها لن تجد من يمنحك الطمأنينة التي تصبو إليها، لأنك أصبحت محل ريبة حتى من أقرب أقربائك.

إن معظمنا اليوم مصاب بداء «توهم المرض»، وكلنا تعرضنا لحالات وسوسة متفرقة، فنحن نضطر للذهاب للتسوق ونستقبل مندوب توصيل الطلبات ونذهب للطبيب في حالات صحية طارئة، وبعضنا ما زال يذهب لمقر العمل ويقابل العملاء والمراجعين، فمهما عزلت نفسك عن المجتمع فأنت مضطر لمواجهة المواقف الباعثة للشكوك والوسوسة القهرية، وأعتقد بأنه حان وقت وزارة الصحة لتقدم هذه الخدمة للمجتمع، خدمة بث الطمأنينة، ولا أظن أن سياسة (التخويف من أجل فرض الالتزام) هي إستراتيجية ناجحة لفرض الالتزام، لأن النتائج قد تكون عكسية، ولعل معظمنا عاش تجربة الازدحام في محال التموين وتكدس المتسوقين خوفا من نفاد المخزون من المواد الغذائية الأساسية.

فقد وضع على عاتق وزارة التجارة عبء طمأنة الناس، لا سيما بعد انتشار الرسائل المغرضة في وسائل التواصل بنفاد مخزون الغذاء، وتداول صور مغلوطة عن أرفف المتاجر الخاوية، فأخذت وزارة التجارة بملاحقة العمالة التي استغلت الموقف لتخزين أكياس البصل والرز، ورفع أسعار البيض، فالناس تهافتت على الشراء وتخزين المواد الغذائية بدافع الخوف، مما فرض على وزارة التجارة واجب طمأنة المجتمع عن طريق نشر الرسائل المطمئنة، بأن مخازن الرز ما زالت تحوي ما يكفينا لسنوات قادمة.

تعايش الناس مع الأزمة واحترازات الوقاية الاجتماعية، ولكن الخوف من المرض ظل مستمرا، والمخاوف حول المرض تتحكم في سلوكنا اليومي، وأي دليل على وجود عرض من أعراض المرض كافٍ لإثارة كل الحواس عند الشخص، وقد يؤدي قلقه على صحته إلى حدوث أعراض جديدة ليست لها علاقة بمرض فيروس كورونا، كآلام البطن بسبب تقلص الأمعاء.

ظاهرة «رهاب المرض» اليوم منتشرة بصورة واسعة في المجتمع، نتيجة الضخ الإعلامي المتواصل وانتشار الصور والمشاهد المخيفة حول المرض، ولا شك أن لها تبعاتها -النفسية والجسدية- التي قد تكون أشد من المرض نفسه، فأعتقد بأنه حان وقت التعامل مع أزمة كورونا بصورة متوازنة لتفادي النتائج العكسية، فمع كل المجهودات الجبارة والمباركة التي تقدمها وزارة الصحة لا بأس من إضافة مزيد من الجهود في سبيل طمأنة المجتمع ونشر الجو التفاؤلي بين أفراده.