الهجوم الإعلامي الشرس على المملكة العربية السعودية لم يُبقِ جبهة إلا وهاجم من تلقائها، فتجد هجوما على سياستها وتاريخها ونظامها وعقيدتها وأصولها الفكرية التي نشأت عليها؛ العشرات من القنوات خُصِّصَت لهذا الأمر، ومئات الأُجراء جندوا لهذه المهمة، وملايين الدولارات بُذِلت ولا تزال تبذل لهذه الغاية الفاسدة وهي مهاجمة السعودية في كل شيء وفي كل اتجاه، حتى في إسلامها الذي بدأوا يزعمون أنه إسلام خاص بالسعودية لا يمت للإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بصلة، وقد كُتِبَت في ذلك المقالات والمؤلفات وعقدت المؤتمرات، في سلوك تكفيري ينهجه كُتَّاب ومؤسسات ودول تُصْلِت في وجه المملكة سيف الاتهام بالتكفير، وقد أثبتت عدوانيتها للسعودية أنهم هم أهل التكفير ورعاته وأرباؤه.

إحدى الحملات الموجهة ضد بلادنا تتمثل في برنامج أسبوعي يعمل على تزييف تاريخ بلادنا ونشر الأكاذيب الخبيثة حوله، يحصد هذا البرنامج مشاهدات عالية على مواقع التواصل بالرغم من أنه مبني على التزييف والأكاذيب التي تُبطلها الوثائق وكتب التاريخ وكتب السير الذاتية والرحلات، لكن المشاهد خاوي الذهن لا يقرأ ولا يتوثق، إضافة إلى أن الكذب على بلادنا يُلاقي هوى عند فئات كثيرة من الشعب العربي، إما أنهم منتمون إلى توجهات وأحزاب علمانية وقومية وماركسية ويرون أن نهج السعودية الإسلامي هو السبب الأول في هزيمة مشاريع توجهاتهم في ثمانينات القرن الهجري الماضي، أو منتمون إلى توجهات وأحزاب دينية خرافية ترى أن السعودية وراء ما حصل للفكر الخرافي البدعي من انحسار، حيث كانت السعودية حقاً وراء بث التوجه الديني الصحيح المبني على الدليل وغير المصادم للعقل، والذي يرفع مقام الإنسان إلى الاستعباد لله وليس لسدنة «الخلاوي» والأضرحة؛ وإما أنهم منتمون إلى توجهات سياسية دينية وجدت أن نجاح السعودية في إنشاء دولة إسلامية على صعيد الواقع يئد مشروعها المبني على شروط غير واقعية.

كثير من المشاهدين ينتمون إلى هذه التوجهات الموتورة لذلك تقوم موافقة الهوى عندهم مقام أي وثائق أو أدلة أو شهادات.

الدول الإسلامية المعاصرة لا تخرج في نشأتها عن ثلاثة أحوال:

الأولى: دول كانت قائمة من القرن الثالث عشر الهجري، لكن ضعفها الشديد وعدم قدرتها على حماية نفسها من خصومها جعلها تطلب الحماية البريطانية التي كانت تعني الاحتلال وفقدان السيادة المطلقة على الوطن.

الحال الثانية: دول كانت تحت حكم المستعمر الكلي أو الجزئي ثم لما عزم على الرحيل هيأ نظاما يخلفه وأسبغ عليه صفة الوطنية ثم رحل فكان هو الذي صنع خارطة البلاد ونظامها.

الحال الثالثة: دول كانت قائمة قبل الاحتلال وفرض الاحتلال عليها نفسه، ولما أراد الرحيل أملى عليها طريقة الحكم فيها وجعل ذلك شرطاً لرحيله.

لا أتذكر من الأقطار الإسلامية من يخرج عن هذا التقسيم سوى الجزء الشمالي من اليمن والمملكة العربية السعودية.

أما اليمن فمرت به ظروف أسهمت في عزله عن تاريخه الاستقلالي القديم وإبقائه دولة تصنف بأنها فاشلة بجميع المقاييس مما أدى إلى الوضع الذي هي فيه الآن.

بقيت السعودية ذات طابع فريد في نشأتها من جهات عدة:

الأولى: أنها نشأت من العدم فلم يكن لها سوى الوجود التاريخي أما على الأرض فلم يكن في المناطق التي غطتها الدولة السعودية فيما بعد كيان يمكن أن يسمى دولةً بالمفهوم الصحيح للدولة.

إذا فالداعي إلى نشأتها الحاجة الملحة لإيجاد حُكم يرعى مصالح الناس بادية وحاضرة من أمن وإقامة دين واقتصاد وكيان سياسي يمثل أهل هذه المناطق في الوجود الدولي، وكل ذلك كان معدوما، حتى في المناطق التي يقال إنها محكومة بدول كالحجاز والأحساء وحائل، لم تكن هذه الأمور مرعية للشعوب فيها إلا بدرجات ضعيفة.

الثانية: أنها الدولة الوحيدة في العالم الإسلامي التي قامت على تجديد الدين وإحياء ما اندثر منه وإعادة نقائه، ولن أكون مبالغاً أو حائداً عن الصواب إن قلت إني أرجو أن يكون الملك عبدالعزيز رحمه الله هو مجدد القرن الرابع عشر الوارد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها).

ومن ذا الذي جدد الله به هذا الدين في القرن الماضي أعظم من الملك عبد العزيز؟

بل إن معظم من ظهر من كبار أهل العلم ونفع الله به البلاد والعباد أو من مؤسسات علمية ودعوية اشتهر نفعها في العالم الإسلامي، حين تبحث ستجد كل ذلك من جهة أو من جهات حسنة من حسنات الملك عبد العزيز ودولته من بعده.

الثالثة: أنها الدولة الوحيدة في العالم الإسلامي اليوم التي لا فضل في تكوينها ولا بقائها إلا لله وحده وما هيأه سبحانه لها من فضل مؤسسها ومن أيده من أبنائها، وهذه الحقيقة الناصعة لا ينكرها إلا الجاحدون المكابرون الكذابون، ممن ينطبق عليهم المثل رمتني بدائها وانسلت، وهم أولئك الذين يروجون للحديث عن دور لبريطانيا أو الولايات المتحدة في إنشاء السعودية، مع أن الوثائق تقول عكس ذلك.

فشرف النشأة الذي تختص به دولتنا وتبرزه هذه الجهات الثلاث التي تحدثتُ عنها، هو من أبرز الجبهات التي تتعرض المملكة للهجوم الإعلامي من قِبَلها، أي أن السعودية إنما تُهَاجم في أقوى نقاط قوتها، والمؤسف حقاً أن الإعلام السعودي برمته لا يلتفت لهذه النقاط ولا يعمل على إبرازها ولا يصد الهجوم القادم من جهتها، فلا تجد في إذاعاتنا أو محطاتنا التلفزيونية برنامجاً واحداً يتخصص في إبراز تاريخ وحقيقة الدعوة السلفية التي هي الأساس الفكري لقيام الدولة منذ طورها الأول، بينما نجد برامج كثيرة في قنوات مختلفة ومراكز علمية متخصصة في الطعن بالدعوة السلفية [قدمت إذاعة الرياض مشكورة بهذا الخصوص برنامجاً بعنوان البلاغ المبين من إعدادي وتقديمي] ولا تجد في محطاتنا الإذاعية والتلفزيونية برنامجاً يتحدث عن تاريخ الدولة السعودية في أطوارها الثلاثة ويرد على الشبهات حولها، بينما توجد برامج في الإذاعات والتلفزيونات المناوئة لنا تنشر تاريخنا بطريقة كاذبة، والأدهى أن نجد بعض الأكاذيب التي تروج عالميا حول دولتنا ودعوتها ترددها بعض قنواتنا وصحفنا.

قضية تجب العناية بها.