منذ مجيء ذلك النظام الجديد بالدوحة في يونيو 1995، عبر انقلاب عسكري تنكَّر فيه الابن للوالد، واستعان بآخرين ضد أبيه وإخوته وأبناء عشيرته، مما يعطي دلالة واضحة أن الخيانة متجذرة في دم هذا النظام الجديد، ولهذا بدأ يتبين أن منطقة الخليج العربي مقبلة على فترة ستشهد كثيرا من الاضطراب السياسي، بسبب ارتباط القادم الجديد إلى قصر الحكم بأجندة غريبة على التراث، والقيم الخليجية الذي يقوم على الولاء للأوطان، والارتباط بالوجدان، والتقدير العالي للقريب والجار، والابتعاد عن كافة أشكال الأيديولوجيا السياسية والحزبية الهدامة، التي ما عرفتها دولة عربية إلا وكان التمزق والتشرذم نصيبها، والشواهد على ذلك كثيرة. كان التقلب في المواقف، وعدم الوفاء بالعهود، وسوء النية واسوداد الطوية، أبرز ما امتاز به نظام الحمدين منذ بواكير عهده، وبدا واضحا لكل ذي بصر وبصيرة أن هناك توجهات تخريبية مواقف سياسية تملى عليه من الخارج، وأن القادة الجدد لا يملكون من أمرهم سوى التنفيذ والإذعان لما تقرره جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، وأن دوحة آل ثاني التي عرفها الجميع في السابق أرضا لأبناء الخليج ودارا للعرب لم تعد كما كانت، بعد أن فتحها النظام الجديد على مصراعيها لكل مارق على دولته، وخائن لأمته، ومنبوذ من وطنه، فاجتمع فيها الخارجون على القانون، الذين حظوا بأموال ضخمة تغدق عليهم من كل حدب وصوب، وتسهيلات لوجستية لم يحلموا بها في يوم من الأيام.
لم تمض سوى عدة أشهر على الانقلاب المشؤوم حتى أسفر قادته عن نواياهم الشريرة، وذلك بإعلانهم تأسيس قناة الجزيرة التي كانت تحمل أجندة وضعت منذ عهد بعيد، لتنفيذ مهمة رئيسية هي ضرب الأمن القومي العربي، وإشاعة الفتنة بين الدول، وترسيخ حالة من عدم اليقين، بوسائل معروفة تتمثل في الفبركة وتزييف الحقائق وافتعال الأحداث والكذب والتزوير. والشيء المؤسف أن كل ذلك كان يتم باسم المهنية المفترى عليها، والسعي وراء الحقائق المزعومة. فمنذ متى كانت المهنية أداة للتشرذم والخلاف؟ وكيف تكون أداة لإضعاف الأمم وإذهاب مصادر قوتها، أو لنشر الفرقة والشتات؟ هل المهنية تعني الطعن في الذمم بلا أدلة أو أسانيد؟ وهل يمكن أن يكون هدفها الإساءة للرموز والشخصيات القومية والثوابت؟
مؤخرا انتشرت تسريبات صوتية لمكالمات جمعت أمير قطر السابق، الخائن، حمد بن خليفة مع العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، يتساءل في أحدها الأخير عن السبب في عدم تركيز الجزيرة على مهاجمة السعودية وقادتها، فيجيبه الأمير الخائن الانقلابي بأن ذلك مجرد تكتيك مرحلي، قائلا «أمهلونا شوية»، كما تظهر التسجيلات أن القناة القطرية ما هي إلا وسيلة تستخدم في تحقيق أهداف شريرة ضد المملكة ودول الخليج، لا سيما الإمارات ومملكة البحرين، وهو ما ينسف كافة مزاعم المهنية والحياد اللذين تتشدق بهما الجزيرة.
تلك التسريبات تثبت حقيقة لم تكن يوما مثار شك، وهي مقدار الوصولية التي يتصف بها نظام قطر وأميره السابق، والأساليب غير الأخلاقية التي يتبعها لتنفيذ أجندته السياسية، ومقدار الحقد الذي يعتمل في دواخله تجاه كل ما هو سعودي، وهو حقد -بإذن الله- سيقضي على ذلك النظام المارق ويورده موارد الهلاك، ويجعله مجرد ذكرى سيئة في أذهان العرب والمسلمين، فالحقد مثل النار، والنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله.
أما قناة الفتنة فإن مصيرها أيضا إلى زوال، فقد ذهب ريحها، وتؤكد الإحصاءات الصادرة عن مراكز إعلامية متخصصة تدني نسبة مشاهدتها، حتى داخل قطر نفسها، نتيجة لعدة أسباب في مقدمتها انكشاف القناع الزائف الذي كانت تتدثر به، بادعاء المهنية والحياد، إضافة إلى ما ارتكبته خلال الفترة الماضية من سقطات إعلامية مدوية، من أبرزها تطاولها على أمير البلاد الأسبق الشيخ خليفة بن حمد، خلال محاولتها تبرير انقلاب ابنه حمد، وهو ما قابله الشعب القطري الوفي بموجة استنكار صاخبة ورفض واسع للإساءة للأمير الذي ما زال يجد من كل أبناء شعبه التقدير والاحترام.
ولم تكد تمر عشرة أيام حتى وقعت القناة في فضيحة أخرى لا تقل عن سابقتها عندما وجَّهت إساءة بالغة إلى سلطان عمان الراحل قابوس بن سعيد واتهمته بالدفاع عن إسرائيل ضد المصالح العربية، دون مراعاة للأدب الإسلامي بعدم التحدث عن الأموات إلا بالخير، وهو التصرف الذي جلب موجة سخط بالغة على القناة، تجلت في سيل من التغريدات الغاضبة لمغردين عمانيين رفضوا الإساءة إلى رمز بلادهم.
أما ذلك الحقد الذي يحمله قادة النظام القطري للمملكة وقيادتها وشعبها، والذي تظهر أبعاده يوميا، فلا يثير استغراب السعوديين أو اهتمامهم، رغم أن معظم برامج القناة المأجورة موجهة ضد السعودية، وكافة العاملين بها يفبركون الحقائق ويفتعلون الأحداث، لكن كل ذلك لا يعدو كونه زوبعة في فنجان، وأحاديث إفك لن تجد من يصغي إليها، فالمملكة وقادتها مشغولون بما هو أكثر أهمية من تلك الترهات والتفاهات، وجل تركيزهم ينصب على رفع شأن شعبهم النبيل، والبحث عن كل ما يؤدي إلى ترقية أوضاعه وتطوير واقعه لما يليق به.