يوما بعد يوم، تثبت الحقائق الدامغة والأدلة الواضحة صواب القرار ‏الذي اتخذته الدول العربية الأربع: السعودية والإمارات والبحرين ‏ومصر، بقطع أشكال العلاقات الدبلوماسية والتجارية كافة مع النظام ‏القطري، بسبب خروج ذلك النظام على الشرعية الدولية، ودورانه في ‏فلك المؤامرات والمكائد التي اعتاد حياكتها، وإصراره على افتعال ‏حالة من عدم الاستقرار في المنطقة، ومساعيه المحمومة لإلحاق ‏الأذى بجيرانه الذين ما تأخروا يوما عن مد يد العون له، متناسيا ‏ومتجاهلا عمق الروابط التي تجمع بين الشعب القطري الأصيل ‏وأشقائه في دول الخليج العربي والجوار الإقليمي.‏

منذ مجيء ذلك النظام الجديد بالدوحة في يونيو 1995، عبر انقلاب ‏عسكري تنكَّر فيه الابن للوالد، واستعان بآخرين ضد أبيه وإخوته ‏وأبناء عشيرته، مما يعطي دلالة واضحة أن الخيانة متجذرة في دم ‏هذا النظام الجديد، ولهذا بدأ يتبين أن منطقة الخليج العربي مقبلة على ‏فترة ستشهد كثيرا من الاضطراب السياسي، بسبب ارتباط القادم ‏الجديد إلى قصر الحكم بأجندة غريبة على التراث، والقيم الخليجية ‏الذي يقوم على الولاء للأوطان، والارتباط بالوجدان، والتقدير العالي ‏للقريب والجار، والابتعاد عن كافة أشكال الأيديولوجيا السياسية ‏والحزبية الهدامة، التي ما عرفتها دولة عربية إلا وكان التمزق ‏والتشرذم نصيبها، والشواهد على ذلك كثيرة. كان التقلب في ‏المواقف، وعدم الوفاء بالعهود، وسوء النية واسوداد الطوية، أبرز ما ‏امتاز به نظام الحمدين منذ بواكير عهده، وبدا واضحا لكل ذي بصر ‏وبصيرة أن هناك توجهات تخريبية مواقف سياسية تملى عليه من ‏الخارج، وأن القادة الجدد لا يملكون من أمرهم سوى التنفيذ والإذعان ‏لما تقرره جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، وأن دوحة آل ثاني ‏التي عرفها الجميع في السابق أرضا لأبناء الخليج ودارا للعرب لم ‏تعد كما كانت، بعد أن فتحها النظام الجديد على مصراعيها لكل مارق ‏على دولته، وخائن لأمته، ومنبوذ من وطنه، فاجتمع فيها الخارجون ‏على القانون، الذين حظوا بأموال ضخمة تغدق عليهم من كل حدب ‏وصوب، وتسهيلات لوجستية لم يحلموا بها في يوم من الأيام.‏

لم تمض سوى عدة أشهر على الانقلاب المشؤوم حتى أسفر قادته عن ‏نواياهم الشريرة، وذلك بإعلانهم تأسيس قناة الجزيرة التي كانت تحمل ‏أجندة وضعت منذ عهد بعيد، لتنفيذ مهمة رئيسية هي ضرب الأمن ‏القومي العربي، وإشاعة الفتنة بين الدول، وترسيخ حالة من عدم ‏اليقين، بوسائل معروفة تتمثل في الفبركة وتزييف الحقائق وافتعال ‏الأحداث والكذب والتزوير. والشيء المؤسف أن كل ذلك كان يتم ‏باسم المهنية المفترى عليها، والسعي وراء الحقائق المزعومة. فمنذ ‏متى كانت المهنية أداة للتشرذم والخلاف؟ وكيف تكون أداة لإضعاف ‏الأمم وإذهاب مصادر قوتها، أو لنشر الفرقة والشتات؟ هل المهنية ‏تعني الطعن في الذمم بلا أدلة أو أسانيد؟ وهل يمكن أن يكون هدفها ‏الإساءة للرموز والشخصيات القومية والثوابت؟

مؤخرا انتشرت تسريبات صوتية لمكالمات جمعت أمير قطر السابق، ‏الخائن، حمد بن خليفة مع العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، يتساءل ‏في أحدها الأخير عن السبب في عدم تركيز الجزيرة على مهاجمة ‏السعودية وقادتها، فيجيبه الأمير الخائن الانقلابي بأن ذلك مجرد ‏تكتيك مرحلي، قائلا «أمهلونا شوية»، كما تظهر التسجيلات أن القناة ‏القطرية ما هي إلا وسيلة تستخدم في تحقيق أهداف شريرة ضد ‏المملكة ودول الخليج، لا سيما الإمارات ومملكة البحرين، وهو ما ‏ينسف كافة مزاعم المهنية والحياد اللذين تتشدق بهما الجزيرة.‏

تلك التسريبات تثبت حقيقة لم تكن يوما مثار شك، وهي مقدار ‏الوصولية التي يتصف بها نظام قطر وأميره السابق، والأساليب غير ‏الأخلاقية التي يتبعها لتنفيذ أجندته السياسية، ومقدار الحقد الذي يعتمل ‏في دواخله تجاه كل ما هو سعودي، وهو حقد -بإذن الله- سيقضي ‏على ذلك النظام المارق ويورده موارد الهلاك، ويجعله مجرد ذكرى ‏سيئة في أذهان العرب والمسلمين، فالحقد مثل النار، والنار تأكل ‏بعضها إن لم تجد ما تأكله.‏

أما قناة الفتنة فإن مصيرها أيضا إلى زوال، فقد ذهب ريحها، وتؤكد ‏الإحصاءات الصادرة عن مراكز إعلامية متخصصة تدني نسبة ‏مشاهدتها، حتى داخل قطر نفسها، نتيجة لعدة أسباب في مقدمتها ‏انكشاف القناع الزائف الذي كانت تتدثر به، بادعاء المهنية والحياد، ‏إضافة إلى ما ارتكبته خلال الفترة الماضية من سقطات إعلامية ‏مدوية، من أبرزها تطاولها على أمير البلاد الأسبق الشيخ خليفة بن ‏حمد، خلال محاولتها تبرير انقلاب ابنه حمد، وهو ما قابله الشعب ‏القطري الوفي بموجة استنكار صاخبة ورفض واسع للإساءة للأمير ‏الذي ما زال يجد من كل أبناء شعبه التقدير والاحترام.‏

ولم تكد تمر عشرة أيام حتى وقعت القناة في فضيحة أخرى لا تقل ‏عن سابقتها عندما وجَّهت إساءة بالغة إلى سلطان عمان الراحل ‏قابوس بن سعيد واتهمته بالدفاع عن إسرائيل ضد المصالح العربية، ‏دون مراعاة للأدب الإسلامي بعدم التحدث عن الأموات إلا بالخير، ‏وهو التصرف الذي جلب موجة سخط بالغة على القناة، تجلت في ‏سيل من التغريدات الغاضبة لمغردين عمانيين رفضوا الإساءة إلى ‏رمز بلادهم.‏

أما ذلك الحقد الذي يحمله قادة النظام القطري للمملكة وقيادتها ‏وشعبها، والذي تظهر أبعاده يوميا، فلا يثير استغراب السعوديين أو ‏اهتمامهم، رغم أن معظم برامج القناة المأجورة موجهة ضد ‏السعودية، وكافة العاملين بها يفبركون الحقائق ويفتعلون الأحداث، ‏لكن كل ذلك لا يعدو كونه زوبعة في فنجان، وأحاديث إفك لن تجد ‏من يصغي إليها، فالمملكة وقادتها مشغولون بما هو أكثر أهمية من ‏تلك الترهات والتفاهات، وجل تركيزهم ينصب على رفع شأن شعبهم ‏النبيل، والبحث عن كل ما يؤدي إلى ترقية أوضاعه وتطوير واقعه ‏لما يليق به.‏