قُتلت أنثى فيل حبلى، بعد التهامها ثمرة أناناس محشوة بمفرقعات نارية، انفجرت في فمها، بمتنزه «سايلنت فاليه» في ولاية كيرلا بالهند. هذه القصة التي أثارت الرأي العام، وأشغلت المواقع الإخبارية وشبكات التواصل الاجتماعي والعالم بأسره، رغم تزاحم أخبار الأزمات الصحية والسياسية وغيرها.

إذ ألقت الشرطة الهندية بعدها على رجل يعتقد أنه هو السبب في قتلها، للتخفيف -قدر الإمكان- من حدة الهجوم على المسؤولين بعد هذه الأزمة.

هذه الطريقة البشعة لقتل الفيل، جعلت وسائل الإعلام التقليدية والرقمية العالمية تتعاطف مع القصة، وتتناقل صورة أنثى الفيل وهي تحاول إنقاذ نفسها بالدخول إلى بحيرة.

يتبادر إلى الأذهان لماذا انتشرت أخبار هذه الحادثة بسرعة وعلى مدى واسع، رغم وجود زخم إخباري لجائحة كورونا ومظاهرات أمريكا؟ إن هناك عوامل أساسية تتحكم في انتشار تلك القصص من عدمها. فليست كل القصص المؤثرة تشاع عالميا، بل قد يكون في مكنون الشعوب قصص أكثر إيلاما أو تأثيرا، لكنها لا تشيع في أقطار العالم، كما حدث مع قصة الفيل.

الصورة الذهنية المتراكمة، ووجود دوافع إيجابية أو سلبية، جميعها أدوات رئيسية لاعبة في عملية انتشار القصص من عدمها، بل لا نستغرب أن بعض القصص التي تصبح مثار حديث العالم، قد تكون قديمة، استُحضرت من الأرشيف بغية الوصول إلى هدف معين.

مثل تلك القصص -ذات الطابع الإنساني تحديدا- هي الأكثر تأثيرا دائما، مقارنة بالرسائل والقصص التي تحوي معلومات وبيانات، خصوصا أن تلك الرسائل الإنسانية التي تستدر العواطف، ستكسب تأييدا واسعا عالميا، بخلاف الرسائل المعلوماتية التي يتباين متلقوها بين القبول والرفض، وتخضع لمعادلة «إما أو».

الحديث عن كيفية تحوّل أي قصة لتصبح حدثا إعلاميا بارزا ودوليا ليصبح مثار حديث العالم، يُدخلنا في حيز نظرية التأطير الإعلامي، والتي تدور فكرتها في قدرة وسائل على وضع المتلقي في خندق معرفي واحد، يتم التركز خلاله على جانب محدد من الموضوع، وإغراقه معلوماتيا في الإطار دون النظر إلى الجوانب الأخرى. مثل ما يحدث في أمريكا اليوم، هو تأطير لوسائل الإعلام حول قضية العنصرية، وتغذية كافة المعلومات حيال هذه الجزئية، كما مارس الإعلام ذلك تجاه الصين في أزمة كورونا، بأن وضع الشعب الصيني في قالب سلبيّ تجاه سلوكه الغذائي بشكل عام، ولعل أكثر الممارسات الإعلامية وضوحا في التأطير، هو تلك التغطيات المتعلقة بكوريا الشمالية، بشيطنتها ووضعها في إطار معين.

«بي بي سي» البريطانية أخذت قصه قتل الفيل من زاوية أن في الهند -أساسا- طرق وحشية للتعامل مع الحيوانات.

والمزارعون يدخلون في نزاعات دائمة، ويلجؤون إلى طرق تخالف حقوق الحيوان، لتخفيف تدمير هذه الحيوانات محصولَهم الزراعي، فهم يضعون أسوارا كهربائية أو يبنون خنادق، أو يصبحون أكثر وحشية ويستخدمون قنبلة بدائية، لإبعاد الحيوانات عن محاصيلهم. أما صحيفة الجارديان، أخذتها من زاوية حقوق الحيوان حول العالم، وطرق التعامل الوحشي مع الحيوانات بشكل عام، حتى إن صياغة الخبر كانت بطريقة عاطفية.

إضافة إلى أن بعض المنظمات أطلقت وسما بعنوان «العدالة فيناياكي» -اسم الفيل- وحثّوا السلطات في الهند والعالم على أخذ التدابير للحصول على العدالة وحقوق الحيوان، كي لا يتكرر هذا مستقبلا، لا في الهند ولا خارجها. أما «سي إن إن» اكتفت بسرد القصة الإخبارية دون إضافات. مثل هذه القصص والتصرفات غير المحسوبة، هي أدوات مهمة، بل أرض خصبة لممارسي هذه النظرية باحتراف، فالعادات والتقاليد والروتين الصحفي وجماعات الضغط والآراء الشخصية للصحفي نفسه، كلها تستطيع تأطير أي قصة ضد أي بلد، حتى لو استحضرها من الماضي، إذ تشوه هذا الاستخدامات والممارسات الاحترافية لنظرية -في المدى البعيد- على سمعة البلد وثقافته والشخصيات المسؤولة فيه. وصول قصتك السلبية أو الإيجابية إلى الفضاء العالمي هو مقياس السمعة، وأحد أجزاء الصورة التي تتشكل تراكميا عن البلد.

فمثلا، لو كثر أعداء الهند وازداد عدد القصص المشابهة لقصة أنثى الفيل، فالإعلام الدولي سيستخدم نظرية التأطير ضده، لدرجه أن العالم سينسى أن أبرز المبرمجين في العالم هم الهنود، ومخترع كروت الذاكرة «الفلاش ميموري» عالم هندي، وأول من استخدم الأزرار، وهم من ابتكر الشامبو، وغيرها كثير.

نافذة: وصول قصتك السلبية أو الإيجابية إلى الفضاء العالمي هو مقياس السمعة، وأحد أجزاء الصورة التي تتشكل تراكميا عن البلد