ألا ما أجمل الاعتدال، وما أحكم مناهج الإسلام!!
وهنالك من أخطائنا في بلاد الشرق: التغالي بالمهور والإسراف الذميم في إقامة حفلات الزواج، والتعالي الكاذب من أسرة المخطوبة على أسرة الخطيب، واشتراط الشروط المادية أو المظهرية دون البحث عن الدين والخلق، كما يقضي منهاج الإسلام في ما قاله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) وأي فتنة! وأي فساد أكبر من فساد فتيات كثيرات واضطرارهن إلى الزلات اللعينة داخل البيوت وخارجها.. بعد أن رد عنهن الخطاب وقفل أمام أحلامهن الباب!
يقول فولتير: (لئن كان الحب جزءاً من حياة الرجل فهو كل حياة المرأة)، فلماذا لا نقدر حق المرأة في الشعور بالحب البريء، وفي أن تحلم بزوج يسعد دنياها وأولاد يملؤون بيتها زينة وبهجة وأملا في امتداد العمر وعونا على جهاد الحياة، ومتى كان هذا الشعور بالحب البريء وأحلام الزوجية الهانئة وقفاً عل الرجل دون النساء؟ ألا ما أظلم الآباء والأولياء لفتياتهم المعضولات! وما أجدر هؤلاء الفتيات بأن تزل أقدامهن تحت ضغط الحرمان المتعمد وتأثير المغريات القريبة والفتن الميسورة، يجب علينا ونحن نكتشف أخطاء الغير في تقاليد الزواج عندهم أن نصحح ما لدينا من أخطاء، ويجب أن نبادر إلى الاعتراف بحق المرأة في الزواج كما نعترف بحق الرجل فيه على سواء، وليس حق المرأة في الزواج هو ما نفهمه من سوقها إلى أقرب خطيب وفي سن مبكرة طلبا للخلاص من متاعب تربية البنات ومخاوف إبقائهن دون زواج، أو الموت قبل إلصاقهن بأي زوج، فهذا خطأ آخر نجترحه ونحن متغافلون عن ثمرته المرة، وغير متعظين بالتجارب المتكررة للزواج المبكر بالنسبة للفتى والفتاة على سواء. إن فتى العشرين وما دونها عندما يتزوج بفتاة الخامسة عشرة وما دونها لا يقدر كلاهما رسالة الحياة الزوجية حق قدرها، ولا يفهمان من معانيها ولا يدركان من أسرارها ما يعينهما على الاتفاق والاتحاد، واحتمال تكاليفها والتزاماتها ويساعدهما على التسامح والتغاضي عن الزلات والهفوات، بل تظل نظرات كل منهما إلى الآخر كنظرة الآمر إلى المأمور وبالعكس.. فالزوج الصغير يمثل كما علمه أهله دور الرجل الكبير الذي يجب أن يطاع إذا أمر، والزوجة الصغيرة تمثل -كما علمها أهلها- دور القطة المدللة أنها تريد أن تظل في بيت زوجها كما كانت في بيت أبيها مخدومة مكرمة منعمة! ولأهل الزوج هنا دور خطير دور القط بالنسبة للفأر، فلا حرية ولا كرامة ولا حقوق عاطفية للزوجين الصغيرين إلا في حدود المراقبة والتربص، أو الغمزات واللمزات من أعين أهل الزوج وألسنتهم وآذانهم المفتوحة وسعها إتقانا لدور القط مع الفأر، وحدث -ولا حرج- عن مصير الحياة الزوجية مع قيام هذه المنغصات التي يجب أن نضيف إليها عدم استقلال الزوج الصغير عن أهله، وعدم قدرته على الانفصال بزوجته بعيداً عنهم بسبب عجزه المالي أو خوفه من غضب أبويه، وينتهي الأمر إلى الشقاق الدائم أو الطلاق الحاسم، ومرد هذا البلاء كله إلى العاطفة الحمقاء، عاطفة الخوف على البنت وعاطفة الفرح بزواج الابن.. مهما كانا غير صالحين للزواج وهما مرت التجارب المكررة ووقعت النتائج المريرة على مرأى ومسمع من هؤلاء الآباء والأولياء الحمقى.. وإذن فنحن في حاجة إلى عقل يضبط زلات تقاليد الزواج في بلادنا، فلا يكون بيننا فريق يتغالى في أمور الزواج، وتقع الطامة على رؤوس الفتيات الناضجات، فيكسدن ويفسدن وفريق يتسامح ويتهاون مأخوذ بعاطفة الخوف على البنات أو عاطفة الفرح بزواج الأبناء وهم في سن لا تؤهل الجنسين لحمل رسالة الزوجية الناجحة، وفريق يتجاوز الحدود المشروعة في أمر الخطوبة، فيحل الاختلاط والاختلاء بين الخطيبين حتى تقع الزلات اللعينة ويمتنع الأمل المنشود، وفريق يحرم الحلال فيمنع النظرة المباحة من الخطيب لمخطوبته النظرة المحققة للوئام والاتفاق بينهما بعد الزفاف. نحن في حاجة إلى (عقل) يصحح هذه الأخطاء العاطفية في تقاليد الزواج على ضوء ما شرعه لنا ديننا العادل الفاضل.