في الفترة الأخيرة لم أعد أتابع ما تصدره كثير من الجامعات الحكومية من قرارات وخطط استراتيجية وتنفيذية خاصة بها. لا أعلم ما السبب في ذلك، قد يكون السبب أنني وصلت لمرحلة آمنت فيها بأن الضرب لم يعد يحيي الموتى.

ومع ذلك، أعتقد أن كثير من جامعاتنا أصيبت حالياً بالرعب، ما أفقدها القدرة على التحرك في أي اتجاه خوفاً أو ترقباً لما قد يصدر من مجلس شؤون الجامعات. وأعتقد أن الإدارات العليا في الجامعات حالياً لا تود ولا ترغب في لفت النظر إليها بأي أمر قد يسبب لها إشكالية من المجلس أو من أية جهة رقابية أخرى.

المشكلة الكبرى من هذا الأمر، أنه بدأ يكبر داخلي توجس يقول، إن بعض رؤساء جامعاتنا الحاليين لن ينجحوا في تطبيق النظام الجديد الذي ترغب الوزارة تحويلهم إليه. وذلك لعدد من الأسباب، منها أن بعض هؤلاء الرؤساء تقدموا في العمر، وبطبيعة الحال لا يحبون التغيير فضلاً عن صناعته، وذلك لافتقادهم للشغف في تحويل واقعهم الذي يعيشونه إلى أمر مختلف. أما الأمر الثاني وهو الأهم، أنهم طوال حياتهم الماضية والتي قد تمتد لدى بعضهم إلى أربعين عاماً، كانوا يعملون ضمن نظام محدد، ومن الصعوبة بمكان أن تأتي اليوم وتحول تفكيرهم بالكامل من البيروقراطية الشاملة إلى فكر إدارة الأعمال، حيث إن النظام الجديد سيتيح للجامعات العالمية الدخول والمنافسة في سوق التعليم لدينا، وهذا بالطبع لن يترك لهم الفرصة بالمسير بتلك البساطة التي يتخيلونها.

لدي وجهة نظر وأتمنى من مجلس شؤون الجامعات دراستها والاستفادة منها لو كانت مجدية. أعتقد أن المجلس ستصبح لديه مستقبلاً إشكالية في الوصول إلى رؤية مشتركة يستطيع بها دفع الجامعات الحكومية للأمام بوجود الرؤساء الحاليين، ولذلك أرى أن من أهم أولويات المجلس حالياً اختيار عدد من القيادات الشابة، ومن ثم تفريغهم بالكامل من العمل في جهات أعمالهم الحالية، ونقلهم للعمل كمستشارين في المجلس نفسه، وتكليفهم بصياغة ومراجعة وتطبيق كل الإجراءات التي يتوجب على المجلس البدء والعمل فيها. بمعنى أن يعمل هؤلاء المستشارون بأعمال المجلس التنفيذية، وهذا بالضرورة سيضعهم في مواقع احتكاك مع صناع التغيير لواقع التعليم العالي القادم.

وبالتدريج سيتم تدريب هؤلاء المستشارين، تمهيداً لإعدادهم لتولي حقائب الجامعات الحكومية في الفترات القادمة. قد تمتد هذه الفترة إلى سنة أو سنتين للأمام، لا توجد مشكلة. ولكن بعد هذه الفترة لا بد من أن يعرف هؤلاء المستشارون الذين سيتحولون للعمل كرؤساء للجامعات بأهمية وضرورة التناغم مع بعضهم البعض في صياغة مستقبل جامعاتنا الحكومية. وهم بالطبع سوف يكونون وكلاء التغيير في الجامعات والذين سيطبقون رؤية المجلس بحذافيرها، وبالتأكيد دون تمنع أو تراخ أو التفاف على بعض القرارات. وكذلك عليهم صناعة عمداء ومديري إدارات وسطى مختلفين عمن يدير العمل التنفيذي بالجامعات حالياً إذا لم يتوافقوا معهم على التغيير.

خلاصة الكلام، المشكلة الأساسية في جامعاتنا هي في عقلية الإدارات العليا التقليدية والتي إلى الآن لا يزال بعضها لم يستوعب أننا في وضع إداري مختلف على مستوى الدولة ككل.