دأب كثير من الدعاة والمشايخ على تسجيل النصائح والعبر والدروس الدينية والمحاضرات التي يلقونها على العامة على أشرطة الكاسيت، أو عبر شاشات التلفزيون، أو مواقع التواصل الاجتماعي، وحرص عدد منهم على أن يضفوا عليها مؤثرات صوتية، غالبا ما تتسم بالحزن، حتى ارتبطت الحزن في أذهان كثير من المتلقين بالدين، والموت بالقرآن الكريم.

وفي وقت تكثر الدعوات إلى استخدام كل الوسائل المباحة من قبل الداعية للتأثير في المتلقي، إلا أن هذه الدعوات تشدد على أنه ليس للداعية استِخدام كل وسيلة تقع تحت يده، فالغاية لا تُبرِّر الوسيلة في اعتقاد الداعية المسلم الذي يَصِل إلى الغاية النبيلة بوسائل نبيلة.

طالبت تلك الدعوات بوضع ضوابط، وشددت على أنه لا بد أن يُراعيها الداعية الإسلامي في الوسائل الإعلامية التي يستخدمها، ومن أهمها أن يكون قد نُص على مشروعية هذه الوسيلة في القرآن والسنَّة، وأن تدخل هذه الوسيلة في دائرة المباح، خصوصاً وأن ثمة مجالا واسعا من الخيارات المشروعة التي توفرها تقنيات العصر.

استغلال عاطفي

تعاضد رفض كثير من العامة لاستخدام المؤثرات الصوتية، وربط الدين بالحزن تحديدا، مع مطالبة أعضاء هيئة كبار علماء ومختصين آخرين بضرورة توقف هذا النمط الدعوي، والدخول إلى الترغيب لا الترهيب والنصح بالإقناع والكلمة الحسنة لا بالموسيقى الحزينة والاستغلال العاطفي.

قال عضو هيئة كبار العلماء، عضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ الدكتور صالح الفوزان: "ليس من حق الدعاة وضع آهات ونغمات حزينة على المقاطع الدينية، ولا بد من منعهم من ذلك".

أضاف موجها حديثه إلى الدعاة والمشايخ الذين يستخدمون مؤثرات صوتية حزينة مع تسجيلاتهم: "كفوا عن هذه الأعمال التي ليست من اختصاصكم".

وتابع "هذا الفعل غير جائز".

بدوره، أكد عضو هيئة كبار العلماء، المستشار في الديوان الملكي عبدالله المنيع أنه "ينبغي لدعاة الإصلاح سواء كانت الدعوة دينية أو اجتماعية أو اقتصادية أو غيرها أن ينشروا الأمل والرجاء والتفاؤل، وأن يكون هذا هو الهدف حتى يكون هنالك تقبل من قبل النفوس وانشراح في الصدر لتلقي النصيحة والمقولة".

أضاف "يفترض أن يركز دعاة الإصلاح على مثل هذه المعاني، وأن يؤكدوا على مبدأي الخوف والرجاء".

أوضح "حين يكون الإنسان متهيئاً للتفاؤل ولديه طموحات، فإن الحديث عن الرجاء يجد لديه صدى أوسع، ويجعله يتقبل النصيحة والدعوة، كما أن الإنسان قد يكون في حالة من استشعار الضيق، وهنا فإن الحديث عن الرجاء قد يخرجه من حالة الضيق ويجعله يقبل على الحياة ويعمل لأجل حفظها بالخير".

تابع "أما الحديث عن الخوف، فربما يوجه للإنسان حين يكون في نعمة وانشراح ورفاهية، إذ يفترض أن يدرك حينئذ أن هذا لا يدوم، وأن يتخذ ما يلزم ليكون عدة له، وأن يستشعر الخوف من زوال النعم والانشراح والرفاهية".

وختم "من المهم أن نتجنب الأمور التي تشيع اليأس، وأن نركز على إظهار الأشياء التي تعطينا الرغبة في الحياة".

من جانبه، اكتفى الشيخ عادل الكلباني بالتعليق على إدخال المؤثرات الصوتية على المقاطع الدينية، بقوله "أكرهها، وأرى أنها تسيء للمقاطع".

الجمع بين الخوف والرجاء

في خطبة جمعة ألقاها عضو اللجنة الدائمة للإفتاء، عضو هيئة كبار العلماء، الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان ركز على ضرورة الجمع بين الخوف والرجاء، وقال: "لا بد أن يجمع المسلم بين الخوف والرجاء دائما، فلا يغلب جانب الخوف، لأن الاعتماد على الخوف قنوط من رحمة الله، والمسلم لا ييأس من رحمة الله، فإنه إذا أيس من رحمة الله استمر في الذنوب والمعاصي، وإذا رجا رحمة الله فإنه يتوب ويعمل الطاعات والخيرات، والله يقبل من تاب وأناب".

أضاف "يكون الإنسان بين الخوف والرجاء، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة الجمع بين الخوف والرجاء، وهذا هو الصراط المستقيم الذي يسير عليه المسلم".

أصوات الأنين

قال مدير عام مركز الدراسات القضائية التخصصي، الشيخ الدكتور ناصر بن زيد بن داود، إن "كثيراً من المخرجين للوصلات الدعوية أو الإرشادية الدينية، اعتادوا ربط هذه المنتجات بالموسيقى الحزينة، أو بأصوات الأنين بلا موسيقى، وكل ذلك مذموم من عدة وجوه:

الأول: ربط الدين بالحزن، والقرآن بالعزاء، والوعظ بالأنين، وهذا تنفير وصد عن سبيل الله، فالقرآن الذي يطمئن القلوب صار علامة على الموت والحزن والعزاء، والوعظ الذي يشرح الصدور ويربطها بخالقها صار مصحوباً بالأنين والتوجع والبكاء.

والثاني: انصرف الناس عن سماع القرآن والمواعظ والدعويات فصارت علامة على التماوت والضعف والخور والمسكنة المصطنعة، وقد كان الخلفاء الراشدون يضربون المتماوت المتصنع للنسك، وضرب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بعضهم، وقال له "لا تُمِتْ علينا ديننا، أماتك الله".

والثالث: الربط النفسي بين الحزن والتدين هو أخطر نتائج هذه الظاهرة، وهو ما يدعو المرء المسلم النافر من هذه الأصوات إلى الانصراف عن سماع الموعظة بسبب ما يصاحبها من أنين".

أضاف "هناك من يستعيض عن الموسيقى الحزينة باستخدام أصوات الطيور وهدير المياه، ومع أنها خير من الأنين، إلا أن صوتها قد يطغى على المادة الأصلية فيشوش عليها، وكل ذلك من سوء الإخراج، وهو يمثل انحرافا عن الهدف الأسمى للدعوة".

خيار شخصي

بيّن استشاري الطب النفسي، الأمين العام لاتحاد الأطباء النفسيين العرب البروفيسور طارق الحبيب أن "إدخال المؤثرات الصوتية خيار شخصي يختاره الداعية أو المحاضر أو المفكر أو الطبيب أيا كان".

أضاف "على الرغم من أن استخدام هذه المؤثرات يبقى في إطار الخيار الشخصي، فإن المجتمعات الانفعالية تميل دائما للحزن والغضب، فهي تميل للحزن في لحظات الانكسار، وللغضب في حالات التفاعل مع الآخرين"، أكمل "إضافة المؤثرات الصوتية تعطي عمقا أكبر، وتترك صداها لدى المتلقي، كما يكون تأثيرها أشد بسبب ازدياد التركيز".

رأى الحبيب أن "إضافة المؤثرات الصوتية لتسجيلات الدعاة تعطي جمالا إضافيا، مثل المنشد أو المغني إذا كانت معه خلفية من المؤثرات أو الموسيقى ـ بغض النظر عن الحلال والحرام".

أضاف "من المهم أن نحترم خيارات الناس، وألا نتدخل فيها ما دامت لا تتعارض مع أمور دينية أو وطنية، فذلك حجب للإبداع".

واسترسل "مع كل ما ذكرته، فإن ظاهرة استخدام المؤثرات الصوتية في التسجيلات الدعوية قد تنتهي في المستقبل، وربما تظهر عوضا عنها ظواهر أخرى جديدة، ومن طبع المجتمعات المتحضرة أنها تستوعب الجديد، وتكون مرنة حيال الميول المتنوعة".

عوامل تسويقية

كشف أستاذ التسويق المشارك في جامعة الملك سعود، المستشار في وزارة التعليم، الدكتور عبدالله الحيدري أن "الهدف الأول من إضافة المؤثرات الصوتية أو الآهات هي العوامل التسويقية، وهي عوامل مهمة لأنها تجذب الفئة المُستهدفة".

أضاف "أحد أهم أسباب إدخال المؤثرات الصوتية على التسجيلات الدعوية والنصائح التي قدمها الدعاة والمشايخ هي إشعال الحماسة، ونتيجة كثرة تداول الناس لمقاطع تلك التسجيلات باتت الآهات الحزينة ترتبط بالأمور الدينية".

تابع "المشكلة إذا كانت هذه الأصوات غير متسقة مع المقطع، فإنها تصبح منفرة، وأحيانا يكون صوتها أعلى من صوت الداعية المتكلم، والأصل أن تكون خلفية لصوته".

أشار إلى أن المثال ذاته يمكن تلمسه في المطاعم التي يستخدم بعضها صوت الموسيقى، فيتأذى الناس منها، مشددا على أهمية تجانس نوع المؤثر الصوتي مع المقطع، وأن يكون بالخلفية، وألا يطغى على صوت المتحدث.

وختم "الآهات والمؤثرات الحزينة تربط الناس بأشياء معينة وتثير مشاعرها، وفي علم التسويق فإن أكثر ما ينتشر بين الناس هو ما يتعلق بالمشاعر".

مبررات لاستخدام المؤثرات

ـ زيادة التسويق

ـ التأثير في المشاعر

ـ جذب المستهدفين

ـ إعطاء عمق أشد للمقطع

ـ زيادة تركيز المتلقي

ـ إضفاء جمالية للتسجيل

ـ خيار شخصي

مبررات معارضة استخدام المؤثرات

ـ لا يجوز استخدام كل وسيلة تأثير متوفرة

ـ لا بد من النص على مشروعية الوسيلة ليمكن استخدامها

ـ لا بد أن تدخل الوسيلة في دائرة المباح

ـ ربط الدين بالحزن مرفوض

ـ لا بد من نشر الرجاء والأمل والتفاؤل