بقدر لهفتنا على الخلاص من فيروس كورونا وما تسبب به من توقف لكثير من مناشط الحياة، يأتي ترقبنا وتوقعاتنا للنسخ الجديدة من شخصياتنا، والتي ستحل بديلة بعد مغادرة الفيروس، كثيرا ما تتردد مقولة «أنتم بعد كورونا لستم كما كنتم قبله»، بعضنا يتساءل هل ستتغير جيناتنا مثلا؟ أم لون البشرة والشعر وعدسة العين ونحوها؟ كل هذه التساؤلات منطقية لدى من لا يعرف من التغيير إلا الشكل الخارجي، لكنها بالطبع تختلف لدى من يعي معنى التغيير المقصود، والذي يستهدف فكر المجتمع وطريقة تعامله مع الأزمات التي قد يتعرض لها. حقيقة أن أزمة كورونا جاءت لتحدث التغيير، وتوضح الصور التي كانت مخفية، أو ربما كانت واضحة ولكن لم نرها لعدم وجود مؤثر قوي يجعلنا نلتفت إلى ما تحمله من عبر. الفيروس اجتاح دول العالم قاطبة، وكل دولة تعاملت معه بما يتوافق وسياستها في التعامل مع الأزمات. بالنسبة لنا في المملكة كان التعامل مثاليا جدا، أثبت ما تحمله هذه الدولة لشعبها من اهتمام ورعاية، قل - حسب ما تابعنا - أن عملت به دولة أخرى. وبقي دور المواطن ليحافظ هو على نفسه ومجتمعه، ويراقب علامات التغيير الإيجابي في شخصيته ليعززها بما يفيده وينعكس إيجابا على محيطه، وأول ما يجدر التركيز عليه هو الاهتمام بالنفس وحمايتها، ثم استشعار المسؤولية تجاه المحيطين به من أفراد أسرته وزملائه في العمل وغيرهم، بحيث لا يكون يوما ما سببا في إلحاق الضرر بأحد منهم بأي طريقة كانت، ثم يدرك أن العالم من حوله في حالة تغير، وأن الأزمات قد تحدث فجأة، والمهم أن نوطن أنفسنا على ذلك ونستفيد منها بما يجعلنا قادرين على العيش، والتكيف مع ما تحدثه وما تخلفه من تغيرات، وهذه الأحداث قد تأتي كمنبه ومحذر للإنسان ليستيقظ من غفلته، ويكسر سلوك اللامبالاة والركون إلى أن حركة الكون ثابتة لا تتغير وإن فعلت فللأحسن غالبا. جميل هذا الشعور التفاؤلي، ولكن الحياة لا يستقيم أمرها على حال واحدة، هناك منعطفات، مشكلات، ربما كوارث

لا سمح الله، لكن النبيه من يتهيأ لكل الظروف، ولا ينحني في كل مرة تهب فيها الريح، قاومها بما تستطيع، وقبل المواجهة اتخذ الاستعداد والاحتراز، بحيث لا تهزم من أول مواجهة بينكما، ولا تستهين بمصدر الخطر مهما كان ضئيلا أو بسيطا، ولك في تجربة فيروس كورونا مثال، وكيف أن البعض لم يقدر خطورته، وتساهل في اتخاذ الاحتراز من العدوى، وتجنب

ما قد يساهم في انتشاره، وهذا الأمر تسبب في تضاعف أعداد المصابين بالمرض، وأدخل البعض منهم دائرة الخطورة ثم الوفاة نتيجة تساهله أو تساهل أشخاص مخالطين له، مع أن هناك تحذيرات ومتابعة من قبل الأجهزة المعنية بالدولة، سواء أكانت طبية أو أمنية للمواطنين للتقيد بالتعليمات، ولكن الاستهتار، وعدم تقدير الخطورة كان واضحا لدى الكثير منا. قد يقال إن ما تعرضنا له كان مفاجئا، ولم نتعرض لمشابه له من قبل، وهذا صحيح لكنه لا يعفي أحدا من المسؤولية التي في تقديرها حماية بعد الله، ثم تقليل للأعداد المصابة.

ونعود لمقولة تغيير النسخ، لذا نرى أنها للأحسن بالفعل، وأن ما مر بنا يستحيل أن يكون سحابة صيف وعبرت.

ما حصل كان بمثابة حدث عظيم، سيسجله التاريخ ويروى لأجيال متعددة ومتعاقبة، كما سجلت غيرها من الأحداث والأوبئة التي اجتاحت العالم في حقب تاريخية سابقة.