تعرّف المواقع التاريخية بأنها تدخل المعالم الحضارية، إذ يصنف موقع ما على أنه تاريخي إذا كان مكانا لحدث مميز، أو فعالية أو إشغال تاريخي أو ما قبل التاريخ.

ومع التشدد في تصنيف الأماكن على أنها موقع تاريخي أو لا، فإن بعض الخرافات قد تسبغ على موقع ما خصوصية ووصفا يوحيان بأنه موقع تاريخي، استنادا إلى معتقدات يدحضها العلم والمعرفة.

والخرافة، هي الاعتقاد أو الفكرة القائمة على مجرد تخيلات دون وجود سبب عقلي أو منطقي مبني على العلم والمعرفة لها، وعادة ما تتخذ شكل إرث تتناقله الأجيال، وقد يكون على شكل حكاية شعبية يتداولها الناس، أو قصص يرويها كبار السّن لأحفادهم، وهي غير مرتبطة بزمن محدد.

وكثيرا ما لجأ الناس إلى الخرافات لتفسير ظواهر احتاروا فيها، ومع التكرار والتواتر تضاف إليها إضافات هنا وهناك، تبعا لتباعد زمن نشأتها وحتى وصولها إلينا.

وفي حي العمارية القديم بجدة، تنتصب مقبرة «أمنا حواء»، وهي المقبرة الأقدم في جدة، وقد ربط العامة بينها وبين أم البشر حواء، وادّعوا أنها تحوي رفاة أم البشر حواء المدفونة هناك، حسب اعتقادهم، ومنها أخذت المقبرة اسمها.

لا دلائل

يؤكد الدكتور خالد أبوالجدايل أن نسبة المقبرة إلى أمنا حواء لا يعدو أن يكون أسطورة، مقبرة أمنا حواء هي أسطورة وليست حقيقة.

وحسب كتاب أمنا حواء للدكتور محمد أنور النويلاتي، فإن الربط بين حواء وإهباطها في جدة هي رواية توراتية لصاحب الأساطير اليمني «وب بن منبه»، أُلصقت الرواية في عصر التدوين للصحابي عبدالله بن عباس، وقد بيّن الكتاب كيف انتشرت في الفضاء التراثي الإسلامي منذ القرن الثاني الهجري.

ويقول أبوالجدايل «المؤرخون والمستشرقون قالوا إن هناك جدلا حول المقبرة، خصوصا أن الطوفان في عصر سيدنا نوح -عليه السلام- مسح المعالم في الأرض، لكن البعض ما يزال يؤكد أنها مقبرة أمنا حواء، إنما هو تأكيد غير صحيح في رأيي. ربما تكون أمنا حواء قد عاشت في جدة فقط دون وجود دليل على أن قبرها في جدة».

وأضاف، «هناك مستشرق هندي قال إن قبرها في الشكل والتصميم والحجم يشبه قبر أحد الأنبياء في الخارج، وآخر ذكر أن شكل القبر لا يدل على قبر إنسان لأنه مختلف، وهناك مستشرقون زاروا مدينة جدة في القرنين السادس والسابع الهجريين، وبتتبع ما قالوه فإن القصص والروايات لا تدل أنها دفنت فيه.

أما عن اسم جدة، فقال أبوالجدايل، «له كثير من المعاني، منها جادة الطريق أو شط البحر أو الأب، وليس هناك دليل على أنه يرتبط بجدتنا حواء».

لفظ قديم

ينفي المؤرخ الدكتور منصور الدعجاني أن تكون أمنا حواء قد دفنت في جدة، ويقول «كل الروايات التي تربط مقبرة حي العمارية برفاة أم البشر حواء، لا تملك دليلا ثابتا على صحتها، وليس هناك نص صريح عن الرسول -عليه السلام- أو أحد صحابته -رضوان الله عليهم- يشير إلى أن أمنا حواء دفنت في جدة». ويضيف، «اسم جدة جاء نسبة إلى قبيلة أو شاطئ البحر، وربما يكون لفظها قديما».

لغط تاريخي

كانت مقبرة أمنا حواء مبنية من الحجر المنقبي الذي بنيت به بيوت جدة القديمة، وقد جرى تجديد سور المقبرة، وعُمل مماشي داخلها بعيدا عن القبور حتى يسير عليها الناس عند قدومهم لدفن أحد الموتى.

وعلى الرغم من أن سكان جدة القديمة لا يؤكدون أو ينفون أن تسمية المقبرة جاءت نسبة إلى حواء أم البشر، إلا أن كبار السن يجمعون على أن المقبرة قديمة، وهي أقدم من جدة نفسها، ولا يعرف أحد بالضبط تاريخها.

ولا يقتصر اللغط على العامة وحدهم، بل هناك كتب تاريخية استندت إلى الرواية التوراتية التي ألصقت بالصحابي عبدالله بن عباس، إذ يقول الطبري في كتابه «تاريخ الطبري» إن آدم عليه السلام هبط في الهند على جبل يقال له واسم، وهبطت حواء في جدة من أرض مكة المكرمة، وقد اتفقت أكثر الروايات التاريخية على أن حواء أم البشر قد هبطت في جدة، وإن اختلفوا في تحديد موضع قبرها».

وذكر الطبري، أن «آدم عليه السلام عندما هبط في الهند جاء في طلبها حتى اجتمعا، فازدلفت إليه حواء مسمى المكان»مزدلفة«، وتعارفا بعرفات فسمي المكان»عرفات«، وهذا ما ذكره أيضا ابن جبير ومن قبله الهمداني.

وقال ابن اسحاق: أما أهل التوارة فإنهم قالوا أُهبط آدم بالهند على جبل يقال له «واسم» وأهبطت حواء بجدة من أرض مكة المكرمة.

وذكر بعض المؤرخين أن موضع مقبرة أمنا حواء الحالي كان هيكلاً عبدته قضاعه قبل الإسلام، وأقيم القبر مكانه بعد الإسلام، وذكر ابن جبير في القرن السادس الهجري خلال زيارته جدة أنه رأى بها موضعا فيه قبة مشيّدة قديمة. يذكر أنه كان منزلا لحواء أم البشر، كما أشار ابن بطوطة إلى وجود القبة.