على بعد 7 كيلومترات من محافظة الرس في منطقة القصيم ينتصب مرقب الشنانة أو برج الشنانة كمعلم تاريخي تراثي بات مقصدا لزائري المنطقة، متنميزاً ببنائه الطيني وبطريقة تصميمه وفنه، وبأنه شاهد على كثير من المعارك التي شهدتها المنطقة، صامداً أمام كثير من الظروف المناخية وحتى البشرية التي تعاقبت عليه منذ بنائه.

ويقول المرشد السياحي في محافظة الرس، سلطان بن محمد الحمود، إن البرج صرح أثري يحكي قصص البطولة التي أبداها أهل الرس وقوة بأسهم في التصدي للعدوان، وكان شاهدا على شجاعتهم وتضحيتهم بأنفسهم في الدفاع عن بلدتهم، وعلى كثير من المعارك التي دارت رحاها في محيطه في جميع مراحل الدولة السعودية من الدولة الأولى وحتى عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله.

ويضيف «ما زالت بيوت وقصور وآثار الشنانة باقية، وشاهقة حتى اليوم، وقد كان لهذا البرج (المرقب) توأم شيّد قبله بسنة في الرس التي كانت محصنة ضد الهجمات بحصنٍ منيع، لكن مرقب الرس أزيل في بدايات السبعينيات الميلادية بعد تعرضه لكثير من الهجمات، وبقي مرقب الشنانة وحيداً يروي تاريخاً مجيداً لأهالي الرس ويذكر بشهدائها».


تاريخ البناء

يقول الحمود «ذكر كثيرون أن المرقاب شيده فريح التميمي، لكنهم اختلفوا في تاريخ تشييده، فهناك من الباحثين من يرى أن بناءه يعود إلى عام 1111 للهجرة، وهذا غير صحيح، وهناك من قال إنه بُني في عهد أمير الرس عام 1233، كما قيل إنه بني في حدود عام 1211، وقيل 1208، و1230.

وذكر فهد الرشيد في كتابه «الرس بين ماضيها وحاضرها» أن مرقب الرس بني عام 1232، وبعده بعام تم تشييد برج الشنانة، كما ذكر الكاتب الدكتور خليفة المسعود في كتابه «الشنانة ودورها التاريخي خلال مراحل الحكم السعودي» أنه تم تشييده عام 1250.

وأضاف «ليس هناك شك أن بناء البرج كان بعد عام 1200 للهجرة بقليل، مع العلم أن فريح بنى بعده مرقب الرس عام 1232، أي بعد حرب إبراهيم باشا كما يروي ذلك الكاتب الشيخ محمد بن إبراهيم الخربوش في وثيقة بخطه».

دواعي البناء

يرى الحمود أن «مرقب الشنانة بني ليكون متراسا وقت الحرب، فقد كانت الشنانة محصنة هي الأخرى بجوار بلدة الرس، وجعل المرقب مكانا لمراقبة الأعداء وللغزاة، وكذلك مراقبة طوالع النجوم، فقد كانت الدولة وقتها ضعيفة الأمن قبل توحيدها على يد المغفور له جلالة الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، فكل بيت وبلدة كان عليه أن يتولى حماية نفسه بنفسه، إما ببناء سور أو قلاع أو حتى أبراج مراقبة».

ويضيف «يتميز المرقب بالشكل المخروطي، واتساعه من الأسفل بقطر 7 أمتار من الداخل ويضيق، كل ما ارتفع للأعلى حتى يصل إلى الفوهة بقطر متر تقريبا، وفي البرج سلالم توصل إلى أعلاه، حيث يرتفع لأكثر من 27 مترا، وبثمانية طوابق، وهو مبني من الطين والماء والتبن فقط، ولا يوجد فيه أي مواد أخرى، ويفصل بين كل دور والدور الذي يعلوه أسقف من جذوع الإثل وجريد النخل، وتستخدم السلالم الخشبية في الصعود، وأحيانا يحتاج الأمر إلى حبال، ويوجد فيه 3 نوافذ للتهوية وللإضاءة والمراقبة».

ويكمل «إذا وصلت إلى أعلى المرقب وجدت مكانا للمراقبة، يمكن رؤية جميع الاتجاهات من خلاله، وكان يتعاقب عليه عدة رجال يسمون (الرقيبة) ممن يمتازون بحدة بالنظر، حتى أنه يروى أن أحدهم شاهد رجالا يتقدمون من حدود جبل ساق الذي يبعد عن المرقب الآن أكثر من 45 كلم، وقيل إن الرجال كانوا يتراسلون بالإشارة بين مرقب الرس ومرقب الشنانة وبينهما الآن 10 كلم».

قصف مدفعي

تعرض البرج إلى قصف مدفعي أثناء إحدى الحروب التي وقعت حوله، كما تأثر كذلك بعوامل التعرية وعبث الأيادي الطائشة فتهدم منه، وبقي الآن حوالي (26) مترا، وعملت إدارة الآثار بوزارة المعارف عام 1399 على ترميمه، ثم رمم مرة أخرى في الأعوام الأخيرة.

ويقول الحمود «صمد المرقب نحو قرنين من الزمن، متحديا عوامل التعرية وعبث البشر، وأسهمت جهود وزارة المعارف مشكورة في مجال الآثار والمتاحف، ممثلة في الوكالة المساعدة للآثار والمتاحف بترميمه وتسويره، وانتقل الإشراف عليه حاليا إلى وزارة السياحة ووزارة الثقافة التي عملت عليه تطويرا بالغ الأهمية، وأقامت بعض البرامج والمناسبات حوله».

وبيّن «هناك وقائع عدة دارت حول المرقب من معارك مفصلية للملك عبدالعزيز رحمه الله بعد هجوم ابن رشيد على الشنانة عام 1322، وسميت المعركة «معركة الوادي» لوقوعها بالوادي، ولا صحة لتسميتها معركة الشنانة لأنه لم تقع معركة في الشنانة، وإنما عسكر ابن رشيد في الشنانة ثم خرج لملاقاة الملك عبدالعزيز وجنوده في ساحة المعركة بالوادي، وهناك انتصر الملك عبدالعزيز بمن معه من رجال الرس والشنانة وجنوده من القصيم».