تعارف المجتمع الدولي على قوانين تنظم العلاقات والتعاملات بين شعوب الأرض، ولعل من أكثر هذه القوانين جدلا تلك المتعلقة بتسليم المطلوبين للعدالة، إذ تتقاطع فيها المصالح السياسية وقوة السيادة مع مسالك القانون وطبيعته الدقيقة.

واليوم تطفو على السطح تساؤلات بشأن سعد الجبري، اللص الذي هرب بمليارات كان مؤتمنا عليها بحكم عمله لأغراض مشروعة، فحول جزءا منها لدعم شبكة إرهابية تابعة لحزب الإخوان المسلمين، واحتفظ بالجزء الآخر لمنفعته الشخصية. فهل يمكن للسعودية ملاحقة سعد الجبري ومعاقبته على خيانته؟ وهل يمكن استعادة الأموال التي سرقها؟

من المهم أن نعرف أن القراءة القانونية لهذا الملف لا يمكن أن تستقيم بمعزل عن العمل السياسي والاستخباراتي والإعلامي.

أما ما يتعلق بقضية الفساد المالي، فقد شكلت السلطات السعودية فريق تحقيقات لتتبع تاريخ الجبري والنظر في تعاملاته المالية، وكذلك المعاملات التي استثناها تحت إدارته سواء أكانت تجنيسا، أو غطاءً على أفراد أو كيانات أو ما شابه، وهذا أمر مهم لجمع قطع الأحجية، وفهم الخطة طويلة المدى التي كان الجبري ينفذها.

إن أحد السيناريوهات المنطقية في مسألة الملاحقة تتعلق بقيام الجبري وشبكته بعمليات غسل للأموال، وقد يظهر أن بعض هذه الأموال تم تحويلها لأفراد أو شركات تقوم بإدخال الأموال إلى أنظمة شركات offshore، خارج السعودية، وقد تكون هذه الشركات مجرد واجهات إلكترونية لاستقبال الأموال المسروقة، ومن ثم تحويلها لحسابات مصرفية سرية، الجدير بالذكر أن هذا النوع من التعاملات المصرفية تمت مراجعته في كثير من الدول بعد أحداث 11 سبتمبر لثبوت استخدامه لتغطية أنشطة إرهابية مشبوهة. ولكن دولا أخرى للأسف ما زالت تجد فيه وسيلة لإنعاش اقتصادها.

إن متابعة مثل هذه العمليات تخضع للاتفاقيات الدولية وتحتاج عملا قانونيا ودبلوماسيا رفيع المستوى، وهو أمر لا بد منه لتحقيق العدالة.

بالنسبة للجبري فإنه يحق للسعودية ملاحقته، وطلب إصدار نشرة حمراء من الإنتربول بحقه، ولعل هذا كان سبب هروبه من تركيا، إلى كندا. ونعرف جميعا التأثير الكبير لجماعة الإخوان المسلمين في السياسة الكندية والمجتمع الكندي، وهذا أمر آخر يجب أن يشتغل عليه الإعلام لإيضاح الصورة الحقيقية للناخب الكندي.

وللتاريخ فقد استفاد الإخوان المسلمون من أجواء الحريات الدينية في كندا فقاموا بهجرات متتالية منظمة على مدى العقود الماضية، وعملوا على تأسيس مجتمع واقتصاد مؤثر، وشكلوا مراكز ضغط سياسي، ونشطوا في نشر إيديولوجيا الجماعة بين مسلمي كندا. وإذا كنا نجد من المسلمين العرب من لا يفرق بين الدين الإسلامي وبين الإسلام السياسي الذي تنتهجه الجماعة المارقة، فهل نتوقع أن يفهم هذا الفرق المواطن الكندي؟

إن العمل الإعلامي هام جدا في إيضاح هذه المسألة من أجل كشف الأسباب الحقيقية وراء السياسات الكندية العدائية تجاه السعودية. كما أن الزخم المصاحب لظهور هذه الحقائق سيكون ورقة قوية تدعم العمل القانوني والدبلوماسي في قضية الجبري وجماعة الإخوان المسلمين.

بقي أن نعرف أن الجبري قد يلجأ للتخفي بأن يصدر أوراقا ثبوتية مزورة، أو يجري عمليات جراحية لتغيير شكله، وهذه أساليب شائعة في عالم الجريمة العابرة للقارات ويسهلها وجود المليارات بحوزة الجبري. ولكن هذا لا يعني أن ملاحقته مستحيلة فهو لن يغير بصمته أو شيفرته الوراثية أو عاداته أو رغباته، وهنا يأتي دور العمل الاستخباراتي.

ختاما فإنه من إيجابيات المشهد أن الكشف عن خيانة سعد الجبري وإعلانها للعالم، سيمهد الطريق لسقوط بقية أحجار الدومينو، وربما سيكشف قريبا عن أسماء أخرى متورطة في شبكة الإخوان المجرمين.