ليس من محض الصدفة أن يعرف أبو عرجون الدكتور منسي، فهما يعرفان بعضهما منذ الطفولة كونهما من حارة واحدة وجيرانا وبينهما صلة قرابة من بعيد، إلا أن أبا عرجون ليس لديه حرفة يبرع فيها ولا شهادة يفخر بها غير أنه كان محبوباً في حدود حارته، حيث كان في صغره يقوم ببعض الحركات الإبداعية والتي منها أخذ عرجون النخل وامتطائه كالحصان والجري به فيعج المكان بالغبار فيضحك الحاضرون من صنيعه، فلقب من حينها في حارته بأبي عرجون عطفاً على فعله ذلك في صغره.

بينما الدكتور منسي ابن حارته وزميل دراسته كان قد أصبح أستاذاً جامعياً في تخصص دقيق نادر، وله عدد من الدراسات والكتب والبحوث والمناصب العلمية المختلفة الداخلية والخارجية، وقد شاب شعر رأسه ووجهه وهو على علمه وعلومه.

ومع مضي الوقت دارت رحى الأيام وكان بعض أبناء الحارة مجتمعين كالعادة فطلب أحد الحاضرين من أبي عرجون أن يذكرهم بلعبة العرجون التي كان يلعبها في صغره وتعجبهم كثيراً، ومع الإلحاح قام بهذه اللعبة أمام الجميع فضحكوا واستأنسوا منه، وخلال ذلك قام البعض كما هو الدارج الآن في كل بيت وفي كل مكان بتصوير ما قام به أبو عرجون من حركات عرجونية خارقة، وما إن انتهوا من لهوهم ولعبهم الصبياني إلا ومواقع التواصل الاجتماعي تعج وتمجد وتبجل أبا عرجون وما قام به من حركات بعرجونه العجيب، وما هي إلا سويعات حتى تجاوز متابعو أبي عرجون في حسابه مئات الألوف من المتابعين والمشاهدات، وما مضى مديد من الوقت وبرهة من الأيام حتى تجاوز أبو عرجون المليون متابع في حسابه، وحينها انهالت عليه عروض الدعايات والإعلانات بمبالغ عالية وأصبح من حينها أبو عرجون من المشاهير المعروفين المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي، وممن يملكون الملايين والسيارات الفارهة والحسابات البنكية المميزة.

وحتى لا نذهب بعيداً وننسى الدكتور منسي فقد ظل مستمراً في دراساته وبحوثه ومؤلفاته لكنه بقي ضميراً مستتراً لا يعرفه كثير ولا يسأل عنه إلا القليل حتى بعد أن مات -رحمه الله- لم يذكره أحد سوى مجلة الجامعة التي ينتمي إليها، وقد نعته في صفحتها الأولى، وحزن عليه أقاربه وجيرانه وبعض زملائه. بينما أبو عرجون عندما تعرض لوعكة صحية ظن متابعوه أنها كورونا، إلا أنها «الحمد لله» كانت إنفلونزا عادية، عجت حينها مواقع التواصل الاجتماعي بالدعوات وعرض أنواع المساعدات لأبي عرجون الذي أصبح من الصعب لدى البعض عدم مشاهدة مشاركاته المميزة يومياً، وهو يستعرض بعرجونه وتزداد مشاهداته حتى بلغت المليون والثلاثمائة ألف، وقد تزيد قريباً.

رحم الله الدكتور منسي رحمة واسعة، وعوّض الله المجتمع خيراً في الموهوب المبدع أبي عرجون.