كان يتغنى في جلساته الفنية في مكة المكرمة وجدة بأغنيات وأسطوانات محمد عبدالوهاب الذي بدأ حياته الفنية متأثرا به، إلى أن اتخذ لنفسه مسارا خاصا في الغناء، الأغنية الشعبية في مكة، وعلى وجه الخصوص تلك التي تعتمد على الفصحى، والتي كان من أشهرها «نالت على يدها ما لم تنلهُ يدي» ليزيد بن معاوية، «وأراك عصي الدمع» لأبي فراس الحمداني، كذلك من أشهر أغنياته «على العقيق اجتمعنا» لأبي الفتوح يحيى الشهير بـ»السهروردي».. كل هؤلاء العمالقة كانوا شعراء أغاني الفنان محمد علي سندي.

ملامح خاصة

جيل الفنان السندي، يعتبر غمام الغيث في سماء الأغنية السعودية الذي هطل بمطر الماضي ونقله إلينا في الحاضر، ففي فترة من الفترات كانت هذه الأغاني غائبة. السندي التحق بجيل ذي ملامح خاصة، وكان يرافقه في تلك الفترة رفيق دربه الفنان محسن شلبي.

في عام 1925 تفتحت أبصارهم على الغناء، ذلك الجيل الذي كان يعمل في الصباح، ويستمع للطرب في الليل منهم الفنان حسن جاوه وإحسان قانونجي وغيرهما من فناني تلك الحقبة.

أما البداية، فكانت هواية بتعلم العزف، فقد قال عن نفسه: دائما ما أعتبر ذاتي أنها تثابر بالوصول في الفن إلى المستوى الذي يليق به ويعني الفن الحجازي.

حفظ الإرث

محمد علي سندي، فنان منجز وصاحب ثبات على الألوان الحجازية، حافظ على الألوان القديمة والتي منها الدانات والمجسات والإيقاعات الأصيلة، احتفظ بالتخت العربي القديم الذي يرتبط وجوده بالأغنية العربية والمكون من القانون والعود والكمان والإيقاع، كان مولعا جدا في بداياته بأغاني عبدالوهاب ومتأثرا بها كفناني جيله ومنه سعيد أبو خشبة وأحمد مختار، ولكنه كان دائما ما يشعر أن أغاني التراث وإيقاعات التراث بحاجة إلى الاعتناء بها من قِبل فناني منطقتها، فاحتواه هو وزملاؤه من الفنانين الذين تضامنوا معه في تلك الحقبة في نفس القصد وهو الارتقاء بالأغنية والحفاظ على الإرث العظيم في بلادنا.

معرفة المقامات

تأديته للأدوار والأغاني المصرية كان فقط من أجل الاستمتاع، واللون المصري غير سهل، ولا يمكن لأي فنان أن يؤديه، وخبرة السندي في المقامات كبيرة جدا، وفي استطاعته معرفة أي مقام يغني، وأيضا تأديته وتفريغه على العود، وقد شهد له بذلك الكثيرون، منهم الفنان المكي الكبير محمد باجودة. كان يستمع للحن ويؤديه ثم يحفظه عن ظهر قلب، وقد كانت هذه هي الطريقة الوحيدة المتبعة من قبل الفنانين القدامى، لم تكن النوتة موجودة ولا أجهزة تسجيل لحفظ هذه الأدوار، وقد سجل بعض هذه الأدوار على أسطوانات لفنانين كبار منهم الشريف هاشم العبدلي من أهالي مكة، وهو من الفنانين الأكفاء، وقد تدرب على يديه كثير من الفنانين منهم الفنان عبدالله منديلي.

غناء الفصحى

كان المطربون قبل أدائهم لأي لون يعزفون تقاسيم على العود لأي مقام من المقامات، ويتوج هذا العزف بمجس أو موال للون الذي يعتزم أداءه. وكانا يخرجون إلى عرفة بمكة عندما يكون الجو لطيفا وفيه غيم. وكان خروجهم على طريقة «دفع الباي»، إذ لم تكن هناك موارد ثابتة للفنان من فنه. فقد كان أكثرهم يعمل في البناء والتعمير وآخرون لهم دكاكين يسترزقون منها. كان الفنان السندي مصراً على غناء القصائد الفصحى في الدانات والمجسات واستفاد من الفنان محمود حلواني حينما كان يغني معه في الطائف، حيث كان حلواني حافظا بشكل كبير للتراث وقصائده، وكان دائما ما يلتقي السندي في الاحتفالات والجلسات حينما يقدمان اللون التراثي والشعبي القديم، كما استفاد السندي من رفيق دربه محسن شلبي بشكل كبير أيضا.

أقوى البشر

في المشاركات الخارجية كان محمد علي سندي من أوائل المشاركين في المناسبات الوطنية بالداخل والخارج ومن أوائل الفنانين الذي شاركوا في الأسابيع الثقافية خارج المملكة، شارك في الأسبوع الثقافي السعودي في الجزائر عام 1975، وفي تونس عام 1976، وفي المغرب عام 1977. ورغم كل المعاناة التي واجهته في التنقل، فإنه لم يكن يشكو، وكان يحضر قبل الآخرين، وينتظر في مكانه حتى تحين فقرته ويصعد إلى المسرح ويغني وكأنه أقوى البشر. يعتقد البعض أن أغاني السندي تاريخ منفصل لوحده في الأغنية السعودية، بل كانت انطلاقة فنانين آخرين إلى الساحة الغنائية تتم عبره، إذ يرى مراقبون أن محمد علي سندي هو التراث الغنائي.

تراث الأجداد

بعد أن انتقل من مكة المكرمة إلى جدة لم تنقطع علاقته بمحمود حلواني ومحسن شلبي اللذين كانا يجيدان العزف على آلة الكمان، ودائما ما يرافقانه في الأعراس والاحتفالات بمدينة الطائف، بل توطدت العلاقة أكثر مع حلواني، الذي كان السندي يكبره بأربعة وثلاثين عاما.

السندي كان يردد: هذا الذي تستمعون إليه مني، أصوله التراث الغنائي والموسيقى في مكة المكرمة والحجاز بشكل عام، وأقوم أحيانا بإعداد بعض هذه الألحان من التراث، وأنا ليس لي إلا لحن واحد هو لأغنية رمضانية لحنتها وسجلتها لإذاعة جدة، أما باقي الألحان تعتبر من التراث، وتستطيعون أن تسمونني إذا أعجبكم عملي، أنني مجرد ناقلٍ أمين لتراث الأجداد، لأن لكل أرض وأمة تراثها الغنائي.

كما كان السندي يحرص على تركيب كلمات القصائد من الشعر الفصيح المعاصر، على الألحان التراثية والإيقاعات الفلكلورية، كما قد فعل في أكثر القصائد، وكان ذلك لشعراء معروفين أمثال أحمد سالم باعطب في قصيدة «سلاما مهبط الوحي» وقام سندي بتركيبها على أحد ألحان الدانات القديمة.

عراقة الدانة

لا ينسى أولئك الفنانون سهرات شهدها منزل الفنان حسن عبدالرحيم، رحمه الله، في حي البغدادية بجدة، وكان يقصدها الكثير مِمن يرتادون طريق الفن حديثا ليشاهدوا العملاق محمد علي سندي حاضرا وهو في سن متقدمة، ليغني لهم بأسلوبه الخاص وينقل لهم التراث ويعلمهم كيفية الأداء بالنغم الأصيل، حيث إن لون الدانة يعتبر من الألوان الفنية الجميلة القديمة جدا، وعراقة هذا الفن كعراقة الموشح وغيره من الفنون، ويرى الكثيرون أن فن الدانة بحاجة إلى أن يُدرس بدقة، فصعوبة التنقل بين قفزاته اللحنية وجُمله الموسيقية والإيقاعية، لا يستطيع أن يوصلها للمستمع إلا الدارس والعالِم بمفاهيم الأداء الموسيقي.

محمد علي سندي

- من فناني مكة المكرمة الكبار المرتبطين بالتراث

- ولد بمكة عام 1905

- توفي في التاسع عشر من أكتوبر 1985

- سجل العديد من الأغاني للتلفزيون السعودي وإذاعتي جدة والرياض

- حفظ بتسجيلاته موروثا يمتد مئات السنين

- يعد ركيزة من ركائز الغناء على الساحة المحلية والعربية

- من أوائل المساهمين في نمو وانتشار الأغنية السعودية الأصيلة