الغيوم السياسية السوداء في سماء السياسة الدولية لا بد أن تمطر الكوارث على الأرض لتدفع ثمنها الشعوب بسبب الأعمال الشريرة المخطط لها من البشر على مستوى الدول وأجهزتها الاستخباراتية، أو على مستوى الجماعات والعصابات والأحزاب ذات الأبعاد الفكرية المبنية على التطرف المنتمي إلى الآيديولوجيات الدينية والمذهبية والتاريخية والإثنية أو العرقية .. ولا شك بأن كل شيء بإرادة الله الذي قال في كتابه الكريم (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ).

إن المتغيرات في إقليم الشرق الأوسط كثيرة وهي بلا شك ستؤدي إلى نتائج وكوارث وخيمة مخطط لها من أعداء العرب شرقاً وغرباً، وستفرض نتائجها تغييرات جذرية في العالم العربي داخل إطار ما سمي الشرق الأوسط الجديد، ثمرة نظرية الفوضى الخلاقة التي أعلنتها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "كونداليزا رايس" ليحل محل مصطلح العالم العربي.

يلاحظ المتابعون والمراقبون أن من أهم الأحداث الكثيرة على مستوى العالم العربي، تلك الانفجارات التي حدثت في مرفأ العاصمة اللبنانية بيروت والتي تشبه ما حدث في هيروشيما ونجازاكي وهذه كانت بالنسبة للبنان كارثة سياسية واقتصادية وصحية واجتماعية، وقد نقلت لبنان إلى حقبة اللَّادولة أو الدولة الفاشلة بسبب التخبط السياسي والاقتصادي والتمرد الشعبي والفقر، وصلف القادة الطائفيين والعجرفة الحزبية المدعومة بتدخلات الوصاية الأجنبية وخاصة إيران مرة أخرى، ولا تزال محصلة النتائج لم تتضح بعد - ثم أعقبها قرار الحكم من محكمة الجنايات الدولية بشأن اغتيال الرئيس رفيق الحريري بعد 15 عاماً من التحقيقات وما يقارب 600 مليون دولار من المصروفات، وكان هذا الحكم مخيبا لآمال اللبنانيين، لأن المُدان فقط فرد هلامي واحد، ومن المستحيل أن ينجز تلك الجريمة وحده، مع الأخذ في الاعتبار أن نظام المحكمة ليس مخولا بإدانة الدول والحكومات والأحزاب وبالتالي فكأن تلك الجريمة قيدت ضد مجهول.

إن من أهم المتغيرات في العالم العربي أيضاً فتح باب التطبيع مع إسرائيل على مصراعيه، ما أضر بالقضية الفلسطينية وزاد من التيه والتمزق والتشرذم العربي، وكأن من يريدون التطبيع يقدمون مكافآت مجانية على العربدة الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية خلال 100 عام على وعد بلفور عام 1917، ذلك التطبيع الذي يتم بعد قرارات ضم القدس وفتح السفارة الأمريكية بها وضم الجولان والأغوار والمستوطنات .. وهنا فإن كل الشرفاء من الشعوب العربية يثمنون ويفتخرون بموقف المملكة العربية السعودية الذي أوضحه الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي الذي قال "إن السعودية تؤكد التزامها بالسلام خياراً إستراتيجياً واستناده إلى مبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية".

إن هذا نهج القيادة السعودية التي ترفض أي حل لا يوافق عليه الفلسطينيون.

إن من الأمراض المزمنة في العالم العربي ويعتبر من المتغيرات السلبية الكبرى التي تزداد آثارها سلبية يوما بعد يوم ضعف الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي وتلاشي المجلس المغاربي، ذلك الضعف الذي نتج عن الاختلافات السياسية والرؤى العربية التي سببتها دول تسحق شعوبها ودويلات أصابها الغرور بثرواتها وأخرى تحكمها طوائف ارتباطها خارج حدودها، قال تعالى: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)، وقد تنازع العرب كما فعلوا في الأندلس، والخوف أن يلاقي بعضهم كاليمن وسورية ولبنان وليبيا وغيرها نفس المصير .. وتأكيدا لذلك يلاحظ المتابعون والمراقبون والمحللون الآثار الكارثية لما يجري من حروب في ليبيا وسورية واليمن والعراق ، وعدم استقرار الأوضاع المعيشية والسياسية والاقتصادية في تونس والسودان ولبنان وغيرها من البلدان العربية.

أما الأحداث والمتغيرات على المستوى الإقليمي فيشار إليها بأطماع إيران وتركيا وإسرائيل في البلاد العربية.

إن إصرار نظام الملالي في إيران منذ عام 1979 على الاستمرار في تصدير الثورة الخمينية والتوسع في البلاد العربية ودعم عملائهم من النظام السوري والحوثيين وحزب الله والجيش الشعبي في العراق والمرتزقة الأفغان والطابور الخامس، لأجل فرض السيطرة الفارسية على تلك البلدان، وفرض التغيير الديمغرافي على شعوبها وأرضها وتغيير دينها وحكوماتها دليل على الحقد الفارسي على العرب والحضارة الإسلامية العربية التي أطاحت بعرش كسرى، وقد فعلت ذلك من قبل في إزالة الدولة العربية الكعبية حكمها الشيخ خزعل بن جابر الكعبي مابين (عامي 1897 - 1925) التي عاصمتها الأهواز في إقليم الأحواز.

إن إيران تسعى جاهدة لإحداث هذا التغيير (تغيير الأنظمة والثقافة العربية والسكان العرب والدين الإسلامي) وهي لن تنجح في ذلك لأن السعودية لها بالمرصاد.

أما المتغير الإقليمي الآخر فهو دخول تركيا الصوفية العثمانية والعلمانية الأتاتوركية، وكذلك إسرائيل التوراتية للسيطرة على البلاد العربية وبنفس الأطماع والخطط الإيرانية، فالكل يكره العرب ويحتقرهم ويتهمهم بالغباء والخيانة والتبعية والضعف ولا يستبعد المراقبون أن تكون الدول الثلاث المعادية متفقة على استراتيجية بهذا المعنى.

وهناك متغير إقليمي آخر وهو أخطار سد النهضة في أثيوبيا، وما قد يترتب عليه من التهديد الوجودي لمصر والسودان .. والذي تصر أثيوبيا بسياساتها على عدم التقيد بالمعاهدات الدولية المنظمة للمياه المشتركة، وتصر على عدم توقيع اتفاقية ملزمة مع مصر والسودان. أما المتغيرات الدولية فقد برزت في الصراع السياسي والاقتصادي الدائر بين أمريكا والصين على قيادة النظام العالمي الجديد. يضاف إليها ما تتعرض له الأقليات العرقية والإثنية والدينية في مناطق مختلفة من العالم .. ولا ننسى عاصفة كورونا التي هزت العالم وغيرت الكثير من المفاهيم على المستوى العالمي بل والكرة الأرضية .. والتي يتهم فيها فرقة عبدة الشيطان الماسونية واليهود الصهاينة والمسيحيين الجدد المتصهينين من أتباع منظمة الجمجمة والعظام السرية وكلهم يريدون القضاء على شعوب الأرض بحيث لا يبقى إلا ما يطلقون عليه المليار الذهبي الذين يحددون هم مواصفاته. قال تعالى (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين).

إن العالم يتجمع في تكتلات ومنظومات لحماية الدول الأعضاء في تلك المنظومات والتحالفات من الأخطار السياسية والعسكرية والاقتصادية، بينما العرب الذين أصلهم واحد ولغتهم واحدة وثقافتهم واحدة وتاريخهم واحد ودينهم واحد، متفرقون وقلوبهم شتى، ولكي تتم نجاتهم من الأطماع الإقليمية والدولية ومن الهلاك عليهم أن يتحدوا ضد الأخطار لأن المشتركات بينهم كثيرة.

تأبى الرماح إذا اتحدت تكسراً وتتكسر إذا تفرقت آحادا.