مرة أخرى سقط مجلس الأمن الدولي في امتحان المصداقية، وفشل في تحقيق مهمته الأساسية، واختار الانحياز للحسابات السياسية التي أقعدته عن إنجاز أهدافه الرئيسية التي أنشئ من أجلها، وقرر الاصطفاف إلى جانب إيران، بعد أن امتنع عن إصدار القرار الذي كان عليه اختياره لكبح جماح الأخيرة ووقف برنامجها النووي المثير للجدل، ومنعها من استيراد السلاح الذي تقوم بتصديره لمجاميعها الإرهابية التي تنشر حالة عدم الاستقرار وسط جيرانها وفي منطقة الشرق الأوسط والعالم برمته. فشل المجلس ببساطة لأنه لم يستطع تقدير الخطر الذي تمثله إيران على الأمن والسلم الدوليين، ولأن أعضاءه تمترسوا في خانة العناد السياسي ولم يمتلكوا القدرة اللازمة على بسط هيبة القانون الدولي، رغم المحاولات الجادة للولايات المتحدة ولمجلس التعاون الخليجي والدول المحبة للسلام، للفت أنظار المجتمع الدولي وإقناعه بالمصير القاتم الذي ينتظر العالم، إذا استمر نظام الملالي المارق على الشرعية الدولية في ممارسة أنشطته الإرهابية التي يحظرها المجلس نفسه. لم تشفع لأعضاء المجلس تلك المآسي التي يعيشها الشعب السوري المنكوب، الذي ابتلي بنظام فتح حدود بلاده لميليشيات خامنئي التي عاثت في البلاد فسادا وقتلا وتشريدا، وأوردتها موارد الهلاك. ولم يول أعضاء المجلس أهمية للفظائع التي ارتكبتها طهران في العراق عبر ميليشيات الحشد الشعبي التي قسمت البلاد على أسس طائفية بغيضة، وزرعت الأحقاد ونشرت الفتن. ولم يهتم المجلس بما يمر به اليمن من ظروف قاسية جراء الفظائع التي ترتكبها ميليشيات الحوثيين، عميلة النظام الإيراني التي اغتصبت السلطة ودمرت البلاد. ولم يكترث مجلس الأمن بما يمر به لبنان من ظروف قاسية وضعته في مفترق الطرق بعد أن أنهكته ميليشيات حزب الله الإرهابي وأرهقت موارده. كل تلك المآسي ما كان لها أن تحدث لولا السلاح الذي توفره طهران لعملائها وأذرعها العسكرية، بعد أن امتهنت تصدير أدوات الموت والدمار وامتنعت عن تقديم مقومات الحياة ومتطلبات النماء. وإدراكا منها لحقيقة الدور التخريبي الذي تتمسك طهران بالقيام به، تقدمت دول الخليج عبر مجلس التعاون بخطاب رسمي لمجلس الأمن، توضح فيه حقيقة معاناتها، وتطلب حظر توريد السلاح الذي يشكل مصدر تهديد حقيقي لأمنها واستقرارها. كان على المجلس المعني بتحقيق السلام التجاوب مع ذلك الخطاب والنظر إليه بعين التقدير ووضعه في الحسبان، لكن المساومات السياسية والموازنات دفعته لغض النظر والتجاهل. لذلك انبرت الولايات المتحدة لأداء الدور الذي عجز عنه المجلس، قياما بواجبها كدولة عظمى تعلم تماما حقيقة الأوضاع، وقررت تفعيل آلية سناب باك التي تعني العودة للعقوبات التي كانت مفروضة على النظام الإيراني قبل توقيع الاتفاق النووي المشؤوم، الذي منح طهران قبلة الحياة، وضخ الموارد المالية في شرايين اقتصادها المتهالك وأعادها لطريق الشر الذي اعتادت السير فيه. الغريب في الأمر أن الدول الأعضاء في مجلس الأمن نفسها أدانت إيران خلال العام الحالي عدة مرات بدعم الإرهاب، وسارع بعضها إلى تصنيف حزب الله المدعوم من طهران كجماعة إرهابية ومنعت أنشطته على أراضيها، ومع ذلك أحجمت عن منع إيران من امتلاك الأسلحة التي تصدرها لأذرعها الإرهابية، في تصرف لا ينم إلا عن تغليب المصالح الاقتصادية على القضايا المصيرية، في الوقت الذي كان عليها أن تتخذ القرار الصائب بمنع تصدير الأسلحة، وتشديد العقوبات الاقتصادية على ذلك النظام الذي أدمن تصدير مشكلاته لدول الجوار، لا أن تتمسك بسياسة التساهل، واللين وإمساك العصا من المنتصف. رغم المعارضة التي تبديها دول المجلس للمقترح الأميركي، إلا أن وزير الخارجية مايك بومبيو أعلن بصراحة أن بلاده ليست في حاجة لاستئذان أحد في العودة لتلك العقوبات، وأنها تستطيع فرضها، ولن تدخر وسعا في سبيل إرغام نظام خامنئي على التقيد بمبادئ القانون الدولي ووقف سياساتها العدائية وكف يدها عن الأدوار التخريبية، وأن بوسع إدارة الرئيس دونالد ترمب إقرار منظومة عقوبات جديدة أشد وطأة وأكثر تأثيرا. المتابع للسياسة العالمية يدرك بوضوح أن واشنطن قادرة على تنفيذ تهديداتها، وأنها لن تتردد في ذلك، بعد أن تعهدت حكومتها بوضوح بعدم السماح لطهران بامتلاك أسلحة الدمار الشامل التي تريد استخدامها لتهديد الأمن في منطقة الشرق الأوسط التي تمثل أهمية بالغة للاقتصاد العالمي برمته، بسبب ما تضمه أراضيها من مصادر الطاقة العالمية. هذا الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة سيكتبه التاريخ بأحرف من نور وستدرك الأجيال المقبلة أنه أسهم في حفظ الأمن والاستقرار العالميين. أما من استمرأوا تقديم حساباتهم الاقتصادية الضيقة على حساب المصالح العليا، وساروا في طريق المناكفات السياسية، واختاروا الوقوف في المعسكر الخطأ، فسيدركون حتما حجم الخطأ الذي اقترفوه، ومقدار التفريط الذي ارتكبوه، وسوء التقدير المخل لحساباتهم، وأن إيران التي دعموها هي أكبر مهدد لأمن العالم ومصدر الشر وأساس البلاء. التجارب المريرة السابقة أثبتت بوضوح أن محاولات استرضاء ذلك النظام الخارج على الشرعية الدولية تقوض جهود محاصرته، وتمنحه القدرة على البقاء، لأنه اعتاد اللعب على حبال المساومات والموازنات، وسعى كثيرا لإحداث شروخ في الموقف الدولي منه، لشراء الوقت وتخفيف الضغوط، أملا في الحصول على فسحة من الوقت تتيح له إكمال برنامجه النووي، ووضع العالم أمام الأمر الواقع، دون إدراك لعواقب أفعاله. لذلك فإن المضي في سياسة الاسترضاء تعد من قبيل اللعب بالنار، وعدم الاعتبار من تجارب طهران السابقة في المماطلة والتسويف قد يجعل العالم يستيقظ ذات صباح ليجد أن نظام الملالي قد أكمل برنامجه النووي المثير للجدل، وهو ما يجعل العالم كله ساحة مفتوحة لكل الاحتمالات.