سأبدأ المقال بسؤال: لو حصل اعتداء على المملكة العربية السعودية هل ستقوم الدول العربية الشقيقة والدول الإسلامية بمساعدة السعودية بشكل عملي ؟

الجواب على السؤال يكون غالبا بين ثلاثة خيارات، إما نعم ستقوم بالمساعدة عمليا ترسل جيوشها ومعداتها، أو خيار ثانٍ (لا) فقط كلام وإدانة، أو خيار ثالث (لا) تشمت وعدم المساعدة، وهناك خيار رابع لا أود ذكره هو أن تبدأ بالابتزاز «أعطونا لكي نتكلم أو نساعد».

عندما صوّت مجلس الأمن الدولي قبل أيام برفض تمديد حظر السلاح على إيران، رغم إرسال دول الخليج رسالة واضحة لمجلس الأمن تطلب وتوضح الخطر على الاستقرار في المنطقة من النظام الإيراني. واضح للجميع أن النظام الإيراني يشعل الصراعات والحروب مع وجود الحظر الدولي على الأسلحة، فما بالكم بعد رفع الحظر إذا حدث! كل أعضاء مجلس الأمن يعرفون مصير الأسلحة الإيرانية، وكيف تذهب لليمن وسورية ولبنان والعراق، فهذا شيء موثق ومعروف لكن كلٌ يريد مصلحته بغض النظر عن مصلحة المنطقة والخليج.

الروس والصينيون وضعهم معروف، يريدون شيئين، بيع الأسلحة لإيران، وأيضا محاولة إرباك أمريكا ومشاغلتها لكي لا تركز على شرق آسيا والنفوذ الصيني، خصوصا بعد سياسة (المحور لآسيا) التي تبنتها أمريكا لتحجيم الصين، وأيضا ورقة مساومة لاحقا.

والدول الأوروبية وخصوصا ألمانيا التي «شالت الليلة» كما يقال هي من أقنع بقية الأوروبيين بعدم التصويت لأسباب عديدة منها، أنها تعتبر نفسها حامية إيران، وأنها تحاول أن تنتقم من تصرفات ترمب، وكذلك كانت أحد أهم عرابي الاتفاق النووي الإيراني سيئ الذكر، وأيضا عدم النضج والتسرع الفرنسي، وكذلك استخدام ألمانيا لفرنسا في (الواجهة) لخطوات غير محسوبة خصوصا مع حساسية الخليج من التصرفات الألمانية. أيضا هناك أحاديث جانبية نسمعها من بعض الأوروبيين أنه في حالة عدم استقرارالخليج فإن الأموال الخليجية الضخمة ستذهب لبنوك أوروبا، هذا غير زيادة مبيعات السلاح للشركات الأوروبية، لأنه مصدر معتاد للعتاد العسكري الخليج. تصوروا أن المانيا التي تلاحق وتخرب على الخليج والإمارات المسالمة صفقة سلاح من كوريا لأن المحرك ألماني، وهي نفسها من قادت حملة رفع الحظر عن السلاح على النظام الإيراني الذي يعتبر شريرا بكل المقاييس الدولية. أما الدول العربية والإسلامية في مجلس الأمن لم تصوت نكاية بالخليج، لا تستطيع إيجاد عذر آخر، وهي تعرف المخاطر، وربما نوع من الغيرة والترسبات التاريخية. بغض النظر عن أن أمريكا ستستخدم آلية سناب باك وستفرض العقوبات الدولية على إيران، لكن هذا التصويت أليس نداء استيقاظ للدول الخليجية؟ انظروا كيف يستهين العالم بأمن الخليج ويشجع الإرهاب بشكل فج! وهل بعد هذا من يحتاج جرسا لكي يطرق في الخليج؟!

عقود مرت على المساعدات الخليجية المليارية للدول العربية والإسلامية لكن ما هي المحصلة العملية؟ عند أدنى مشكلة تبدأ حفلات الشتم والردح! واتركوا وقت الشدة فلا يعتمد عليهم بشيء.

الآن لنرجع للأهم، وهو سؤال المقال، هل العلاقة مفيدة مع الدول العربية والإسلامية؟ ولكي يكون الكاتب موضوعيا في كتاباته، يجب أن يعترف، قلتها سابقا نحن نميل لتفكير مدرستنا في العلوم السياسية وهي مدرسة (الواقعية الجديدة)، أستاذنا ومعلمنا كينيث ولتز يشرح الموقف الدولي بكل دقة، رغم وجود نظريات كثيرة في العلاقات الدولية، ما زالت نظريات أستاذنا كينيث ولتز تثبت مرة بعد مرة أنها الأدق والأصلح للتعامل في العلاقات الدولية، عندما تنبأ قبل عقود بأن النظام الدولي مبني على الفوضى، وعندما يكون هناك تضارب مصالح بين القوى المختلفة، فكل يتبع مصلحته، ولا يوجد شيء اسمه قيم أو مبادئ، وسيصيب الشلل المجتمع الدولي، وستكون كل دولة مسؤولة عن سلامتها وبقائها، فلا يوجد شرطي أمين للعالم لا مجلس الأمن ولا غيره !.

لذلك يجب أن تتعامل الدول مع بعضها بمبدأ المصالح والحسابات! العلاقات الأخوية والصديقة والمجاملات هذه مكانها الصحف والإعلام والخطابات، أما العلاقات الحقيقية فتحسب بالمسطرة والقلم والفوائد والمصالح! أتمنى وآمل على الدول الخليجية أن تبدأ تتعامل مع بقية الدول بمبدأ المصالح والحسابات! أو الواقعية الجديدة. انظروا وقت الجد الأوروبيون وبعض الدول العربية والإسلامية يريدون رؤية عدم استقراركم عيني عينك!!

نعم السعودية قائدة العالم الإسلامي والعربي، ولنا علاقات تاريخية مع الدول، لا أطالب بقطع العلاقات التاريخية والأخوية، بل على العكس يجب إبقاؤها، لكن النظر بمنظور أكثر شمولاً، وتقييم العلاقة مع كل دولة. ما هي الفائدة والمحصلة النهائية لعلاقتنا مع الدولة سين أو صاد وماذا يعطوننا بالمقابل! هل هو شيء ملموس وعملي أم إذا كانوا يعطوننا «بس كلام ومدح ودعم معنوي»، نرد عليهم بنفس المنوال معنوياً، أما إذا كان الموضوع، أنهم يريدون دعما عمليا وماليا فما هو المقابل! وكذلك بقية دول العالم خصوصا الغربي. يجب ألا تكون دول الخليج مثل الغذاء المجاني، كل ميزة يستفيد بها الغربيون من الخليج يجب أن يدفعوا مقابلها شيئا عمليا سواء أكان سياسيا أو اقتصادياً!