من مراتب الفنادق المخصصة إلى حجرات النوم المحاذية لميدان التدريب، يُحدث علم النوم (Sleep Science) موجات تطويرية هائلة في رياضة كرة القدم، لدرجة أن معظم الأندية المحترفة تستشير "طبيب نوم" مختص، أو توظف واحدا بدوام كامل لتقديم المشورة بشأن الكيفية التي يجب أن يحصل بها لاعبوهم على أفضل فترة نوم بطرق لم يحلم بها أسلافهم.

يقول جيمس ويلسون، خبير سلوك النوم والبيئة الذي عمل مع عدة أندية "يحظى كريستيانو رونالدو بـ5 قيلولات في اليوم، بيد أن ليس هذا ما يجعله الأفضل، ما يجعله كذلك هو أنه يفهم نومه، إذا فهمت ما هو النوم المناسب لك، فأنت تمنح نفسك أفضل فرصة للقيام بأفضل ما يمكنك".

نقطة تحول

كانت هناك أوقات كان فيها النوم هو الشيء الوحيد الذي (يحشره) نجوم كرة القدم بين الليالي الصاخبة وتوجههم إلى التدريب صباح اليوم التالي، ولكن كل ذلك تغير في منتصف التسعينيات عندما وصلت رسالة إلى مكتب المدرب أليكس فيرجسون، سأله فيها نيك ليتلهيلز، وهو بائع في شركة أثاث، عما إذا كان قد فكر في تأثير ليلة نوم هانئة على أداء لاعبيه، ودعاه فيرجسون للقدوم إلى النادي لتقديم عرض، استمع له المدافع جاري باليستر باهتمام خاص، وكان ظهره يعاني إلى درجة إزالة مقاعد من حافلة الفريق حتى يتمكن من الاستلقاء على مرتبة في طريقهم إلى المباريات.

زار ليتلهيلز منزل المدافع، واكتشف أنه ينام على مرتبة صلبة، وقام باستبدالها بأخرى أكثر نعومة بحجم اللاعب (1.93م)، كما زوده بوسائد مناسبة للحفاظ على وضعه متناسقا أثناء نومه، وعلى الفور، قام بتجهيزات مماثلة في منازل فيرجسون وجيجز، وانتشر الخبر في محيط كرة القدم، وسرعان ما أرسل شاحنة مليئة بالألحف والوسائد المناسبة إلى فندق في فرنسا لمساعدة بيكهام ورفاقه على النوم بشكل أفضل خلال مشاركة إنجلترا في مونديال 1998، ولفت عمل ليتلهيلز الصحافة ، وأصبح بين عشية وضحاها أول مدرب كرة قدم متخصص للنوم.

أجراس إنذار

بعد أن علق طموحه طويلا لافتتاح متجر أثاث، انطلق ليتلهيلز في السفر حول العالم لتثقيف بعض أكبر الفرق الرياضية في العالم حول تأثير النوم على الأداء، ولاقى حديثا له في آرسنال إعجاب تييري هنري وطبيب النادي جاري لوين، الذي نقله بدوره بصورة إيجابية لمدرب إنجلترا حينها سفين جوران إريكسون، وقبل مضي وقت طويل، كان ليتلهيلز يتفقد كل غرفة نوم في مركز التدريب الخاص بمنتخب إنجلترا في العاصمة البرتغالية لشبونة في يورو 2004، وأنشأ ملفات نوم فردية لكل لاعب، مكتشفا كل شيء عن نمط حياتهم ونظامهم الغذائي وروتين وقت النوم، وقدم المشورة لهم وفقا لذلك، ونمت سمعته، وتبع ذلك عمل مماثل مع فريق الدراجات التابع للفريق البريطاني.

وفي هذه الأيام، تدرك الفرق الكبرى جيدا الميزة الحاسمة التي يمكن للاعبين اكتسابها من خلال الحصول على أفضل قسط نوم ممكن، وسعى كل من ريال مدريد ومانشستر سيتي وليفربول وتوتنهام للحصول على المشورة من ليتلهيلز وعدد متزايد من الخبراء في علم النوم، بينما يستخدم ساوثامبتون وبورنموث وبرينتفورد أحدث التقنيات القابلة للارتداء لمراقبة وتحسين راحة لاعبيهم.

منشطات قانونية

قبل 5 سنوات، أجرت تشيري ماه، المتخصصة في النوم والأداء، دراسة رائدة على فريق من لاعبي كرة السلة في جامعة ستانفورد، كشفت أن أولئك الذين زادوا من نومهم بمعدل 110 دقيقة (ناموا لمدة 8 - 10 ساعات في الليلة)، عززوا دقة التسديد بنسبة 9 %، وحسنوا توقيتهم في تمرين العدو بسرعة 282 قدما بمقدار 0.7 ثانية، لقد كان تحسنا في الأداء مشابها لتأثيرات المنشطات، باستثناء أنه كان قانونيا.

وانتقلت النتائج بسرعة لتصل إلى بريطانيا، وتحديدا داخل نادي ساوثامبتون، وبدأ رئيس علوم الرياضة في النادي أليك جروس العمل، وبناء على طلب مدرب الفريق حينها ماوريسيو بوكيتينو، وجد جروس بعد مزيد من البحث أن ليلة واحدة فقط من النوم السيء كانت كافية لإضعاف جهاز المناعة لدى اللاعب وزيادة خطر الإصابة، وأن الحرمان من النوم الذي يستمر لأكثر من 64 ساعة يقلل من القوة والقدرة ويضر التوازن أيضا، مما يزيد من فرصة حدوث الالتواءات في المفاصل، وأشار لاحقا إلى أن لدى "بعض اللاعبين أطقم أدوات نوم فردية لمساعدتهم خلال الأسبوع، بما في ذلك لحاف ووسادة بسماكة محددة، وستائر معتمة إذا احتاجوا إليها".

مراتب مخصصة

كان الإرهاق مصدر قلق كبير للكولومبي خوان كارلوس أوسوريو مدرب المكسيك في كأس العالم الأخيرة، فقد كان على غالبية فريقه السفر لمسافة 6200 ميل من المكسيك إلى مركزهم التدريبي في روسيا، قبل أن يسافروا معا لمسافة 3554 ميلا لمباريات مجموعتهم في موسكو وروستوف وإيكاترينبرج.

تحدث أوسوريو إلى مدرب المان فيرجسون، الذي قدمه إلى روبن ثورب عالم الرياضة في النادي، وخططوا معا لنظام نوم معين، وتم نقل مراتب مخصصة لكل لاعب إلى روسيا، وضبط غرف النوم على 18 درجة مريحة لمساعدتهم على النوم، وتم تعديل جدول التدريب ليلبي أوقات النوم المثالية، بينما نُصح اللاعبون بعدم استخدام هواتفهم المحمولة قبل أقل من ساعة من موعد النوم، حيث يمكن للضوء الأزرق المنبعث من هذه الأجهزة أن يمنع إنتاج هرمون "الميلاتونين" الضروري للدخول في نوم عميق، وتم تقديم مشروب الكرز بعد أي مبارة لخصائصه المحفزة على النوم، وتعايش لاعبو المكسيك مع هذا النهج، حتى أن قائدهم المخضرم رافائيل ماركيز خرج الساعة 10 مساء من الفندق عشية المباراة مع كوريا الجنوبية مطالبا مشجعيهم تقليل الضوضاء حتى يتمكنوا من النوم، وأثمرت ليلة النوم المبكر عن فوز مكسيكي وتصدر مجموعته.

نظارات تشاكا

لم يكن أمثال ماركيز وخافيير هيرنانديز وكارلوس فيلا اللاعبين الوحيدين في مونديال روسيا الذين أخذوا نومهم على محمل الجد، فقد تطوع الدولي السويسري، لاعب وسط آرسنال جرانيت تشاكا لخوض اختبار تجربة مجموعة جديدة من منتجات النوم صنعتها شركته الراعية Under Armor، وقبل مغادرته لندن، كان منزل اللاعب مزودا بمصابيح كهربائية عالية التقنية ومناسبة للنوم وفراشا جديدا، وتم إعطاؤه أيضا نظارات خاصة تسمح له بالنظر إلى الأجهزة الإلكترونية دون أن تصطدم عينيه باللون الأزرق المحفز، وفي وقت النوم، تم توفير أشياء أكثر راحة، مجموعة بيجامات بقيمة 200 دولار وأغطية سيراميك منسوجة في القماش لتنظيم درجة حرارة جسمه، كما استخدم جهازا لحجب الصوت للتأكد من أنه لم يتم إيقاظه من سباته، وقام جهاز مراقبة النوم بتسجيل جودة السرير الخاص به، وأغرى تخلصه من عاداته زميله في الغرفة ريكاردو رودريجيز، الذي استعار زوجا من نظارات نومه خلال المونديال، وجنى تشاكا فوائد هذا التحول بالفعل، وقال "نومي أصبح أكثر كثافة وأعمق بكثير، وأستيقظ الآن أكثر هدوءا، ولا أستخدم هاتفي حتى أغادر المنزل"، وفي المونديال، سجل هدفا رائعا على صربيا 1/2 قاد سويسرا إلى دور الـ16.

أسلوب مختلف

العودة إلى المنزل، والإنطواء في سرير واسع ومريح، لا يضمن نوما مريحا للاعب كرة القدم، الفخذان السميكان للمهاجم الأرجنتيني الممتليء الجسم سيرجيو أجويرو يبقياه مستيقظا، ولحل المشكلة تواصل ناديه مانشستر سيتي عام 2014 مع ليتلهيلز الذي كشف أن اللاعب "كان يعاني لضم فخذيه معا عندما كان ينام على جانب واحد، واعتقد أن ذلك قد يكون سببا لإصاباته في أوتار الركبة".

واضاف "كان وضع جسده خاطئا عندما يذهب إلى الفراش، مما أثر على نومه، أيضا مرتبة سريره كانت غير صحية".

ووصف للاعب نوعا أقل نحافة، مصمما لطوله ووزنه، ووسائد أرق تحاذي رقبته وعموده الفقري، وأدرك ليتلهيلز أن نوم أجويرو المتقطع كان أيضا نتاجا للعيش بأسلوب حياة أمريكا الجنوبية في مانشستر، موضحا "درجة حرارة مسكنه مثالية للنوم لكنه غالبا لا يأكل حتى الساعة 11 مساء، وهو أمر طبيعي في الأرجنتين وإسبانيا، ولكنه ليس مثاليا عندما يتوجب عليك الاستيقاظ صباحا للتدريب"، علاوة على ذلك، كانت الجينات مسؤولة عن كراهية المهاجم للاستيقاظ المبكر "لكل إنسان نمط زمني محدد، مما يعني أنه إما شخص صباحي أو ليلي، أجويرو يكره الصباح الباكر ويفضل التدريب في فترة ما بعد الظهر إذا كان لديه الخيار".

خارج المزامنة

نجم ليفربول جيمس ميلنر كان يجد صعوبة في النوم بعد مباريات دوري أبطال أوروبا خلال فترة لعبه مع فريقه السابق مانشستر سيتي، ويوضح ليتلهيلز ذلك "كان جيمس يلعب في الساعة 7.45 مساء ولا يعود حتى حوالي الساعة الواحدة صباحا، ويظل في حالة عصبية ومتوترة بسبب اللقاء، وينتهي به الأمر بالبقاء في الطابق السفلي، واللعب على جهاز Xbox حتى ساعات الفجر الأولى، إلى أن يشعر بالإرهاق وينام على الأريكة أو يذهب للسرير، وبما أنه لن يكون هناك تدريب في اليوم التالي، كان يستيقظ في منتصف الصباح، مما يعني أنه كان خارج المزامنة تماما".

كان الحل هو نقل وقت نومه إلى الساعة 2 صباحا في ليالي دوري أبطال أوروبا والالتزام بوقت الاستيقاظ المعتاد 6.30 صباحا، يوضح ليتلهيلز قائلا "ينام البشر في دورات مدتها 90 دقيقة، لذلك كان جيمس يحصل على 3 دورات قبل أن يستيقظ"، هناك أيضا لحظة هامة في استثمار النوم، عندما طلب نجم إنجلترا ومان سيتي رحيم ستيرلينج قبل بضع سنوات راحة بإعفائه من اللعب دوليا، ويقول ليتلهيلز عن ذلك "رحيم أخبر المدرب هودجسون أنه كان منهكا وانتقده الناس بسبب ذلك، لكنهم بدأوا الآن يدركون تأثير النوم على الأداء"، مضيفا "أن تكون متعبا وتنام لمدة 6 ساعات فقط كان بمثابة وسام شرف، لكن لدينا دراسات تظهر مخاطر نقص النوم، ويجب تثقيف اللاعبين على ذلك".

استثمار في الراحة

تحت قيادة جاري مونك، قدم فريق سوانسي للاعبيه 30 جرابا قابلة للنفخ لأخذ قيلولة بين حصص التدريب المزدوجة، فيما كان النوم أحد الاعتبارات الرئيسية أثناء بناء مرفق التدريب المتطور في مانشستر سيتي، تم تزيين غرف النوم الداخلية الـ32 بخلفية خضراء فاتحة تتميز بدوائر تتناقص باستمرار، وهي مصممة لمساعدة اللاعبين على دخول أجواء النوم، كما صنعت شركة المراتب Simba مقعدا/سريرا للطائرة لمساعدة النجم الويلزي جاريث بيل على النوم خلال رحلات الطيران العديدة، وتتيح له الأدوات المختلفة ضبط الوضع لتخفيف الضغط على عموده الفقري ومراقبة الضوضاء ودرجة الحرارة والضوء والرطوبة وجزيئات الهواء.

أيضا الاستثمار في الراحة يساعد الأندية الصغيرة على تسهيل طريقها إلى القمة، في الموسم الماضي، طلب مدرب فريق بورنموث إدي هاو، المساعدة من الدكتور روب دانيال، وقال المدرب "النوم هو أداة تعاف تم التقليل من شأنها، لقد تم إعطاؤنا جميعا نظارات النوم لارتدائها في السرير، لقد ارتديتها وساعدتني على النوم بشكل أفضل".

في المقابل، ارتبط فريق برينتفورد بشركة Whoop الأمريكية، التي توفر أجهزة تعقب معصم متطورة للرياضيين المحترفين لقياس جودة النوم.

قلة النوم

قلل من القدرة العقلية على الأداء

تزيد خطر الإصابة.

تؤثر بشدة وتؤخر اتخاذ القرار

تجعل ردة العفعل أبطأ

النوم لفترة أطول في الليل أو قيلولة حتى ساعتين بعد التدريب تعزز الأداء وتقلل التوتر والتعب

مباريات الليل تضعف القدرة على الحصول على قسط كاف من الراحة أثناء الليل مقارنة بمباريات النهار

اللاعبون الذين ينامون أقل من 8 ساعات يزيدون خطر تعرضهم للإصابة بمقدار 1.7 مرة مع تقدم اللاعب في السن يزيد كل عام إضافي خطر الإصابة بنسبة 1.4 %.

عوامل خارجية تؤثر سلبا على أداء اللاعب

الأجهزة الإلكترونية:


استخدام أجهزة ذات الإضاءة الذاتية قبل النوم يحد من إنتاج الميلاتونين وتؤخر النوم أو تقلله.

السفر لمسافات طويلة:

يضعف القدرة على النوم الصحيح، والسفر شرقا يؤثر سلبا على جودة النوم بعد رحلة طيران طويلة.

القلق:

تحد توترات المباراة من القدرة على النوم والحصول على الساعات الـ8 الضرورية من إغلاق العين.

البيئة:

البيئة الحارة والمشرقة سلبا تؤثر على القدرة على النوم، ويعد الحفاظ على بيئة داعمة للنوم أمرا أساسيا.