ما تزال المنازل الشعبية الآيلة للسقوط تؤرق ساكنيها وتشكل خطراً حقيقيا يهدد ساكنيها والمجاورين لها، ما يجعلهم يعيشون في قلق دائم من حلول لحظة الانهيار. وتعد المباني الآيلة للسقوط مباني متضررة إنشائياً بصورة قد تؤدي إلى انهيار كلي أو جزئي فيها، وهو ما يهدد سلامة أرواح قاطنيها. تعيش عشرات الأسر في تلك المنازل المتهالكة، مترقبة الأمل، داعية ألا تصحو يوماً وقد أطبقت الأسقف والجدران على أجساد أفرادها. ولا يتهدد خطر الآيلة للسقوط ساكنيها وحدهم، بل تهدد الجيران والمارة، ما حولها إلى صداع مزمن في رأس الجهات المعنية، والتي تحاول معالجة أوضاعها منذ سنوات. ويعود انتشار تلك المباني إلى قدمها هندسياً، وضعف وسائل الرقابة وغياب الإشراف على أعمال التصميم والبناء، وتقوم معالجتها على عدة عناصر منها ضرورة ترميمها إن كانت قابلة للترميم، أو هدمها كليا، خصوصاً إذا كانت الخشية جدية من انهيارها عند تعرضها لأي ظرف خاصة مثل هطول المطر أو هزة أرضية ولو خفيفة.

انهيار في الرويس

أعاد انهيار منزل شعبي مكون من ثلاثة أدوار في الرويس بجدة في 23 أغسطس الماضي قضية المنازل الآيلة إلى الواجهة، حيث لقي 3 أشخاص مصرعهم، وأصيب 12 آخرون بإصابات متفاوتة بعدما احتجزوا تحت ركامه. وتجولت «الوطن» في حي الرويس، وهو من الأحياء التي تنتشر فيها منازل شعبية وعشوائية بعضها آيل إلى السقوط، والتقت ساكنيها الذي عبروا عن قلقهم حيال مبانيهم. يقول الشاب براء هوساوي، وهو أحد ساكني حي الرويس، حيث يقطن هو وأسرته في أحد المنازل الشعبية «نسكن منزلا تركه لنا الوالد، وعلى الرغم من مخاطر الإقامة فيه إلا أننا لا نملك البديل، وليست لدينا قدرة لاستئجار منزل بديل بالنظر إلى الارتفاع الكبير في إيجارات الشقق والتي تشكل قدرا مرهقاً من الإنفاق بالنسبة لنا». ويتابع «لم نجد بدا من الإقامة في منزلنا المتهالك، فلا خيارات أخرى متاحة لمغادرته». ويكمل «منزلنا مبني على الطريقة القديمة، ومن مواد قديمة، وأساسات ركيكة، ونحن لا نستطيع تحمل تكلفة ترميمه أو هدمه وإعادة بنائه، خصوصا مع ارتفاع أسعار مواد البناء، وأجور اليد العاملة التي يمكنها ترميمه أو إعادة بنائه».

من جانبه، يقول أحمد الجحدلي، وهو أحد قاطني حي الرويس أيضاً، ويجاور منزله منزلا شعبياً آيلاً إلى السقوط «أنا قلق جدا على أسرتي من المنزل المتهالك والملاصق لمنزلنا، أخشى أن يسقط ذلك المنزل في أي لحظة، كما أخشى أن يلحق الضرر بأسرتي أو منزلي». ويضيف «طالبت ملاك المنزل المجاور بإزالته وإعادة بنائه، أو على الأقل ترميمه بما يزيل مخاطره، كما أطالب الجهات المعنية بالتدخل لإزالة ومنع خطره عن ساكنيه وعن الجوار وحتى المارة».

معالجات بالملايين

في عام 2010 رصدت أمانة جدة نحو 20 مليون ريال لمعالجة وضع المباني الآيلة للسقوط، وقدر عدد المباني الآيلة للسقوط في جدة وحدها بنحو 20 ألف مبنى. وفي عام 2014 وقعت عقداً لمعالجة نحو 10 آلاف مبنى آيل للسقوط في بعض أحياء المدينة بكلفة نحو 15 مليون ريال، مشيرة إلى أن المعالجة تتم من خلال إزالة تلك المباني أو ترميمها، خصوصا أن البنية العمرانية لها تختلف من مبنى إلى آخر، فمنها المباني المسلحة، ومنها المباني الشعبية، ومنها مبانٍ أخرى من حديد وزنك. وقدرت الأمانة أنها بحاجة إلى 6 سنوات لعملية المعالجة، تمتد مرحلتها الأولى على 3 أعوام، ستركز على التخلص من المباني الآيلة للسقوط في المحافظة، على أن تكون هناك مرحلة ثانية تتضمن معالجة نحو 10 آلاف مبنى آخر آيل للسقوط، ليصبح إجمالي فترة علاج المباني الرديئة عمرانياً في المحافظة نحو 6 أعوام، أي تنتهي في العام الحالي 2020. وتعيد الأمانة وجود المباني الآيلة إلى السقوط إلى عدم الاهتمام بها، وعدم صيانة بنيتها.

عوامل متباينة

ما يطبق على المباني الآيلة للسقوط في جدة، يندرج تقريبا على مبان كثيرة تنتشر في المملكة، وكثيراً ما بادرت الأمانات لوضع خطط وتوقيع عقود معالجة تلك المباني التي كلفت خزينة الدولة مبالغ طائلة. يقول المهندس محمد سعيد طائر مشرف قسم العمارة في الكلية التقنية بأبها إن من أسباب سقوط المباني «تحميل ضغط المبنى على الحوائط الحاملة، ويعد الحائط في المبنى هو العمود وهو الحائط في نفس الوقت، حيث تكمن الإشكالية في المنازل الشعبية الآيلة للسقوط في طريقة البناء، حيث إنهم كانوا قديماً يحفرون الأرض بمسافة 50 سنتميترا فقط إلى الوصول الأساس حسب النظر، لأنه ليس لديهم أجهزة حديثة تقاس بها المسافة أو تحلل التربة، ثم يُبدأ بعمل الأساس المستمر، حيث يكون أساسا من وصلة واحدة، وحين يحصل انخفاض في أي مكان من الأساس مع تقادم الزمن، يهبط جزء من الحائط، وثم يهبط الحائط بالكامل، ويؤدي إلى سقوط المبنى». وأضاف «وكذلك من مسببات سقوط المباني أيضاً أن تكون المشكلة في الحائط نفسه، وأن يكون الحجر المستخدم في بنائه غير مناسب، أو متصدع، أو تعرض لأي ضرر سواء تكسير متعمد أو تكسير بسبب الضغط، فإذا انهار حجر واحد داخل منظومة الأحجار المشكلة للحائط يسقط الحائط بالكامل».

وتابع «مع تقادم الزمن يكون الضرر أيضاً عن طريق سقف المسكن الذي يتضرر من عوامل التعرية والأمطار، ويبدأ تسريب المياه من الأسقف إلى داخل الحوائط التي تتضرر بدورها، وتؤدي إلى سقوط المبنى». وأكمل «هناك كذلك أسباب عامة للانهيار، منها مثلا قوة الرياح في الموقع، أو تعرض المنطقة للهزات الزلزالية حتى وإن كانت بدرجات منخفضة لا يشعر بها السكان في المنطقة».

ويرى مختصون أن أسبابا كثيرة قد تتعاضد وتؤدي إلى انهيار المباني، أهمها قدمها حيث تتشارك عوامل طبيعية في إيصالها إلى حالة تكون فيها آيلة إلى السقوط، مثل الحرارة وتغيراتها التي غالبا ما تسبب تمددا أو انكماشا في داخل مكونات البناء، وتقود إلى تشوهات تهدده، والرياح التي تحدث ثقلا على سقف المبنى وتفتته، وكذلك الرطوبة التي تذيب الأملاح وتحملها إلى أسطح المبنى فتفتتها أيضا، كما يمكن للرطوبة أن تحدث نتيجة هطول الأمطار وسوء تصريفها، وهناك كذلك الزلازل التي تؤدي لانهيار أو تصدع الجدران أو تحريك الأساسات. كما أن هناك عوامل بشرية تسهم بدورها في إيصال المباني إلى حدود التهديد بخطر الانهيار، منها أخطاء التصميم، وإهمال الرقابة على المباني وهو ما قد يدفع المخالفين لإضافة أعمال إنشائية تقود لتحميل المبنى أكثر من طاقته، والترميم بشكل خاطئ مما قد يحدث خللا في اتزان المبنى أو تلفا في أساساته، ووجود مبان متلاصقة أو متجاورة ما يزيد من خطر انهيارها معا عند تعرض أي منها للانهيار، وعدم اختبار التربة بشكل جيد، وعدم عزل أسطح المباني ما يؤدي إلى اختراق الماء لأساسات المبنى ويسبب تآكلها.

أو المباني المنهارة الآيلة للسقوط

هي مبانٍ تنطوي على خلل إنشائي، أو طرأت عليها ظروف أثرت على مكونات المبنى ومواد إنشائه نتيجة لقدمه أو تعرضه لكارثة، ما يجعله قابلا للانهيار في أي لحظة، ومن غير المجدي ترميمه، وبالتالي تكون هذه المباني غير آمنة من الناحية الإنشائية وعرضة للانهيار، ويجب إزالتها حفاظا على الأرواح والأموال.

الحلول

يرى المهندس محمد طائر أن من أهم الحلول لمعاجلة المباني الآيلة إلى السقوط هو إعادة ترميم الأسقف والأدوار للحفاظ عليها لمدة أطول، إضافة إلى تدعيم الأساسات باستخدام حقل أسمنتي لا يكون ظاهراً للعيان، وإنما يقوي الأساسات القديمة، إضافة إلى استبدال أو تدعيم أي حجر يشك أنه متضرر أو منهار داخل منظومة الأحجار المشكلة للحائط. وأضاف «أساليب البناء القديمة تختلف من منطقة إلى أخرى، فمثلاً في منطقة عسير وبما فيها النماص ورجال الحجر إلى الباحة يعتمد على الحجر في بناء المساكن، بينما نجد أن المباني في خميس مشيط كانت تُشاد قديماً من الطين وإضافة التبن، ويُعتمد في تهامة على القش وهي التي تسمى العشاش، كما تختلف طريقة معالجتها من منطقة إلى أخرى لكي تصمد أطول فترة ممكنة.

توحيد الأسس الفنية

أصدرت وزارة الشؤون البلدية والقروية دليل تقييم ومعالجة المباني الآيلة للسقوط الذي يهدف إلى تحديث وتوحيد الأسس الفنية للحكم على المباني المتصدعة والآيلة للسقوط والإصلاحات الضرورية الممكنة للعناصر أو الأجزاء المهددة بالسقوط، وذلك عن طريق إرشادات فنية موحدة لمهندسي البلديات والأمانات للأسس الفنية لتشخيص الشروخ والعيوب وأنواعها، والاختبارات الفنية المرشحة للتطبيق، وكذلك طرق الترميم والإصلاح والتأمين السريع، كما يشمل الدليل إرشادات خاصة بنموذج تقرير الفحص لمبنى آيل للسقوط كخطوة لاستخدام موحد من مهندسي البلديات والأمانات. وشكلت أمانة جدة في فترة سابقة لجنة للاستلام المبدئي لمشروع حصر وتقييم المباني الآيلة للسقوط، خاصة في الأحياء العشوائية من المحافظة، على أن يتم بعد عملية الحصر، إصدار تقارير فنية عن حالة كل مبنى، بناء على المعاينة الظاهرية والاختبارات المعملية، ورفعها إلى اللجنة لاتخاذ القرار المناسب بحق كل مبنى تحت إشراف ومتابعة من اللجنة المُشكلة، وبهدف حماية الأرواح والممتلكات.

وتعنى اللجنة بتطبيق لائحة شروط السلامة لهدم وإزالة المباني الآيلة للسقوط الصادرة عن وزارة الداخلية التي تحتوي على التعريفات والاشتراطات العامة والفنية الخاصة بالموقع وتهيئة منطقة العمل واحتياطات السلامة الوقائية واستخدام المعدات والهدم بواسطة استخدام معدات القطع والمتفجرات، والأعمال الخاصة بالحفريات ومتطلبات السلامة فيها.

مسببات لانهيار المباني

مسببات طبيعية

الحرارة وتغيراتها

الرياح

الرطوبة

الزلازل

مسببات بشرية

الحوائط هي الأعمدة وهي الحاملة في نفس الوقت

تحميل ضغط المبنى على الحوائط الحاملة

الحجر المستخدم في البناء غير مناسب، أو متصدع

أخطاء التصميم

إهمال الرقابة

الترميم بشكل خاطئ

عدم عزل أسطح المباني

المباني الملاصقة والمجاورة

عدم اختبار التربة بشكل جيد