عزيزي القارئ أتمنى عليك أن تنظر لهذا المقال بكل تجرد، لأنه يعتمد عليك، كل ما نطلبه هو عبارة قصيرة، وقد تحل تقريبا كثيرا من المشاكل وهي قاعدة (شغل مخك)!

دعونا نسترجع تسلسل بعض الأحداث ومن ثم نتناول الحدث الحالي، كنا نستطيع أن نأخذ الموضوع بشكل علمي، وبالأدلة والدراسات، لكن في هذه المرة نريد أن نتكلم بشكل الحديث العامي الذي يفهمه الجميع:

• عندما قلنا إن دول الخليج لن يحدث فيها سيناريو كورونا إيطاليا وأوروبا، وإن الصفات السكانية والصحية والعوامل البيئية مختلفة جدا، أثاروا الذعر بين الناس، وفعلا كان الخليج من أقل الدول تأثرا، وبناء على قاعدة (شغل مخك) لا تستطيع تطبيق سيناريو متشابه لمنطقتين مختلفتين كليا بالخصائص السكانية والصحية والمكانية.

• عندما قلنا إنا نخاف من المبالغة وإثارة الفزع من الفيروس، قالوا إن هذا تهوين من الفيروس الخ.. ولاحقا تداركوا الموضوع وغيروا النغمة، وبناء على قاعدة (شغل مخك)، الفيروس قد يؤثر في أشخاص معدودين، لكن الصحة النفسية تؤثر في العامة، وآثارها الصحية قد تكون أكثر، وقد تكون لها مضاعفات كبرى إن لم نبدأ بتطمين الناس بعقلانية.

• عندما طالبنا بأن تكون الكمامة للجميع مسبقا، بينما هم قالوا الكمامة فقط للمريض، وبناء على قاعدة شغل مخك إذا كان بعض المرضى لا تظهر عليها أعراض مطلقا، ويكونون ناقلين للمرض، كيف تكون الكمامة فقط للمريض الظاهر الأعراض فقط!

• يأتيك أحدهم ويقول، انخفضت أعداد الوفيات والحالات الحرجة في نصف العالم الشمالي، هل تم اكتشاف دواء جديد أو لقاح يقول لا؟

ما الذي تغير إذن؟ هو دخول فصل الصيف، وفي نفس الوقت يقال الحرارة ما لها دخل بضعف الفيروس!! وهو نفسه أيضا يحذر من الخوف من موجة ثانية من الفيروس في فصل الشتاء القادم! وبناء على قاعدة (شغل مخك).

• يطلع لك أحدهم بالإحصاءات، بأن دول آسيا أقل الدول تأثرا ووفيات بالفيروس مقارنة بأوروبا وأمريكا، هل هذا بسبب أن الآسيويين يتلقون لقاح الدرن؟ يقول لا؟ لماذا إذن عدد الوفيات حتى في أوروبا نفسها بين البرتغال وإسبانيا -الدولتين المتشابهتين في الخصائص كثيرا- مختلفة كثيرا؟ فالبرتغال التي تعطي لقاح الدرن أقل وفيات كثيرا من إسبانيا! وبناء على قاعدة (شغل مخك)، على العموم حتى أشهر مجلات العالم العلمية (ناتشر) التي تعتبر شبه مقدسة عند الباحثين، قالت بالعلاقة بين لقاح الدرن وتخفيف الكورونا، لكن الآن نحن نتكلم بالمنطق العام في هذا المقال.

• عندما تعطي علاجا ونتائجه ممتازة أمام عينك وفجأة يأتيك أحدهم بدراسة ودون تمحيص توقف دواءك وتنقلب النتائج عندك، وبعدها يتم سحب الدراسة لأنها غير صالحة، والموضوع كان صراع شركات أدوية، وبناء على قاعدة (شغل مخك)، لا تدخل بصراع الشركات وصدق ما هو أمام عينك!

• عندما اقترحنا على دول الخليج تخفيف الحظر بسبب استقرار الحالات الحرجة وبسبب الخصائص السكانية والصحية للخليج، واجهنا هجوما من البعض الذين يريدون حجز الناس وإيقاف حياة البشر حتى اكتشاف لقاح قد يأخذ سنوات! ينظرون للموضوع من زاوية واحدة، ولا يعرفون أن الأمور تقاس من جميع الزوايا، وبناء على قاعدة (شغل مخك) الأمور لا توزن هكذا، والحمد لله أن نظرة قادة الدول أكثر إستراتيجية ووعيا من رؤية من لا يرى خارج تخصصه!

ما ذكر أعلاه ليس كشف حساب أو استعراض لمهارات في التنبؤ بالأحداث، ولكن أهم ما في المقال أن أطلب من القارئ العزيز الآن أن يضع تصورا لنفسه، كأنك قادم من الفضاء الخارجي، وليس مختصاً بالطب أو عالم، وأعطيت هذه المشاكل وطلب منك حلها، المشكلة الأولى أن هناك دولة إيطاليا بها عدد من المسنين، وهذا عدد المسنين في دول الخليج، هولاء تلقوا لقاحا هكذا، والآخرون لم يعطوا، وعدد الحالات الحرجة في إيطاليا عشرات أضعاف الحالات الحرجة في الخليج، هل ستستنتج أن سيناريو إيطاليا سيحصل في الخليج؟

أيضا هل سيدب الذعر بين الناس أو الطمأنينة؟، هل ستجعل الجميع يلبس كمامة أو فقط المرضى الظاهرين؟ وهل ستوقف الدواء أم لا؟ الخ....

قد تقول لنفسك إن الموضوع الآن سهل لأنه أصبح ماضياً، وأعرف ماذا حدث، فلست في المعمعة وقتها. لكن أقول لك إنك تستطيع أن تنظر للأمور بهذه النظرة الإستراتيجية، حتى المشاكل الحالية كأنها ماض، إذا استخدمت طرق (التفكير النقدي). للأسف ما يحدث لك عندما تعرض عليك مشكلة حالية، أن عقلك يرى الأمور من زاوية معينة، لذلك يقوم العقل تلقائيا بدفعك لحلول معينة والقفز على بقية الخيارات، لذلك تأتي النتائج بهذا الشكل وتغفل حتى أموراً منطقية، لكن مع التفكير النقدي لا يتم ذلك، تصبح نظرتك إستراتيجية حتى لو لم تكن مختصا وكأنك تنظر إلى الأمور من أعلى.

فكرة المقال، كيف تحل المشاكل بجميع أنواعها، سواء اقتصادية صحية أو أي نوع من المشاكل، هناك طريقة علمية لحل المشاكل غير إنشاء لجان! وهي ما ذكرناه ونعيده (التفكير النقدي)، طريقة معروفة عالميا لحل جميع المشاكل بكل أنواعها، لكن قبل التحدث عن التفكير النقدي، سأتحدث عما يحدث في لجان بجزيرة بعيدة في المحيط الهادئ، يأتي رئيس اللجنة أوالمسؤول ويختار أغلب أعضاء اللجنة، وعندما تعرض عليهم المشكلة، لا يتكلم الجميع بل ينتظرون رئيس اللجنة يتكلم حتى يستنبطون رأيه وهواه، وبعدها تبدأ المداخلات من المطبلين في التنافس على مدح اقتراحات رئيس اللجنة والتأكيد عليها، لا يوجد تحليل وتشريح للمشكلة، ووضع العوامل المؤثرة، ووضع السيناريوهات والماتركس، وفحص الفرضيات والحلول والخيارات الممكنة ونقاشها الخ..!

لو قدر لك يوما أن تدخل أحد هذه اللجان فستفاجأ بما يحدث، تنتظر تقسيم العمل ووضع الهيكل والتكنيك المتعارف عليه لحل المشكلة، فتجد أن الموضوع سوالف وتطبيل ومدح برئيس اللجنة أو المسؤول وبآرائه السديدة التي لا تعرف على أي أساس وضعت! تذكرنا هذه اللجنة بملعب الاستراحة عندما كنا صغارا ونلعب مع عيال حارتنا (الكورة) وكانت الخطة (شد حيلك)! كل الذي تغير أن اللجان صارت (شد حيل المسؤول)! الإبداع الوحيد في اللجنة ليس بدقة الحلول، بل بإبداع تطبيل جديد يسعد المسؤول! لذلك اللجان في هذه الجزيرة في المحيط الهادئ تأتي غريبة بعض الأحيان!

مرة اطلعنا على تقرير إحدى اللجان لمشكلة معينة، الشيء الوحيد الذي عرفناه، كان صور أعضاء اللجنة لأنها أخذت 5 صفحات من التقرير! بكل جدارة ضربوا بعرض الحائط كل قواعد عمل اللجان في العالم، عملنا في لجان عديدة حول العالم، وعملنا على أغلب التكتيكات والطرق الموجودة في العالم لحل المشاكل، لم نر مثل هذه الحالات، في بعض الأحيان نحاول أن نجد عذرا، ربما لما يتدربوا ويخرجوا من تخصصاتهم، لكن لو استخدموا المنطق، أو على الأقل قاعدة (شغل مخك) لخرجوا بتوصيات ونتائج أفضل!

ممكن أسأل القارئ العزيز، كم مرة طلب منك رئيسك بالعمل عندما أعطاك مهمة أن تحضر مع ملف حل المشكلة والحلول التي اقترحتها مخطط التحليل أو (بلو برنت) (سكيم) للمشكلة؟ أو الموضوع «شد حيلك واختار»!