بدأ العديد من الدراسات ومن الممارسات المهنية الحديثة في عالم الإدارة اليوم، يشير إلى أهمية، ووجوب تقليص ساعات العمل والدوام الرسمي. ففي مقال نشرته مجلة هارفرد بيزنس ريفيو، أوضح (بين ليكر وتوماس روليت) أن هناك توجهات لفرض سياسة العمل لأربعة أيام بدلاً من خمسة، وذلك من أجل تقليل الإرهاق، ومن أجل جعل العاملين والموظفين أكثر سعادة وإنتاجية وأكثر ولاءً لجهات أعمالهم. كما أفادوا أيضاً، بأن هولندا التي تقود هذا الاتجاه اليوم؛ يبلغ متوسط زمن العمل الأسبوعي فيها حوالي 29 ساعة عمل. وتبرر مؤسساتها التشريعية التي سنّت هذه القوانين (في عام 2000) بأن هذا الأمر جاء من أجل حماية التوازن بين الحياتين العملية والشخصية للعاملين الهولنديين.

في تجربة جديدة لشركة مايكروسوفت اليابان أسموها بـ (تحدي الاختيار بين الحياة والعمل)، تم إعطاء الموظفين في الشركة إجازة لثلاثة أيام أسبوعياً لشهر أغسطس لعام 2019 وبرواتب مدفوعة لذلك الشهر بالكامل. وتوصلوا بهذه التجربة إلى أن إنتاجية العمل زادت بنسبة 39.9% مقارنة بالشهر نفسه من العام 2018.

وفي عام 2016 عملت بعض الدوائر في حكومة دبي على إلغاء أنظمة الحضور والانصراف عن موظفيها، حيث رأت تلك الجهات أن ضمير الموظف ومسؤوليته تجاه نفسه ومجتمعه ودولته، هو الأمر الذي يجب أن يوضع دائماً في الحسبان، وهو الأساس الذي يجب أن يتم البناء عليه في تصميم أعمال ومنجزات تلك الإدارات.

(جاك ما) مؤسس علي بابا، يقول في إحدى لقاءاته الشهيرة: إن العالم في المستقبل سيضطر إلى تخفيض ساعات العمل إلى أربع ساعات يومياً لمدة أربعة أيام أسبوعياً، مثلما اضطر في الحياة المعاصرة إلى التخفيض من ساعات الدوام الدائمة والمستمرة كل يوم طوال العام في أيام الآباء والأجداد إلى ساعات الدوام الحالية.

عموماً، وبعيداً عن هذه التجارب وتلك الدراسات، تعتبر أزمة كورونا تحديا إداريا ضخما، ليس على مستوى المملكة وحسب، بل على مستوى العالم ككل، ولذلك فإنني أعتقد أننا لو خرجنا من هذه الأزمة بأهمية النظر في تخفيض ساعات العمل، وساعات الدراسة، أعتقد أننا سوف نكون من أوائل الدول التي تنحى بهذا الإجراء لإعطاء الحياة الاجتماعية زخماً أكبر.

أعتقد سيدي القارئ الكريم، أنك تتفق معي بأن النجاح في كثير من الأحيان لا يكون بكثرة العمل والإنتاجية، بل في التقليل من المصاريف والهدر في مصادر الطاقة من ماء وكهرباء ومصاريف تشغيلية، هذا من جانب، ومن جانب آخر، أعتقد أنك أيضاً تتفق بأن النجاح في بناء الإنسان، لا يعتمد على إرهاقه بساعات عمل طويلة، ناهيك عن الأوقات الضائعة في زحام الطرقات، ما يضطره إلى التخفيف من الاهتمام بأبنائه وبمجتمعه.

في النهاية أقول، إن ساعات عملنا الطويلة لا تتفق غالباً مع إنتاجيتنا التي تطورت بحضور التقنيات المتقدمة، وعليه أدعو وزارة الموارد البشرية لإعادة النظر في هذا الأمر.