نصف قرن مضى، وما زالت مهنة الكدادة تنافس وتناضل لتبقى على قيد الحياة، مقاومة التغييرات الاجتماعية الطارئة، والتغيرات الاقتصادية التي فرضت دخول منافسين أقوياء تمثلت بشركات النقل وسيارات الأجرة، والسماح للمرأة بقيادة السيارة، وغيرها من العوامل التي مثلت تحدياً جدياً لهذه المهنة التي بدأت تقريبا في المملكة منذ السبعينيات الميلادية من القرن الميلادي الماضي، وبدأت بواكيرها بعمل بعض الأشخاص في المطارات والمواقف العامة للقطارات والسيارات التي تنقل الركاب بين المدن الكبرى.

وبعد أن كانت تقتصر بداية على نقل الركاب بين المدن والقرى، توسعت مع زيادة أعداد الممتهنين لها، لتشمل نقل الركاب داخل المدن، خصوصا تلك التي يغشاها المغتربون وكذلك المواطنون، وعلى الأخص السيدات اللواتي ليس لديهن سائق خصوصي.

مفهوم المهنة

اشتق مفهوم «الكدادة» من التعب، فهي مهنة متعبة وتحتاج جلداً وصبراً، لكن كثيراً ممن يمارسونها وعلى الأخص من الشباب يرون فيها المتعة والتسلية أكثر من التعب، فهي لا تتطلب دواما رسميا مقيدا في مكان بعينه، وهي تقدم متعة التجول بين المدن، وتوفر للشباب خاصة ممن يدرسون في الجامعات فرصة لتغطية جزء من مصاريفهم.

وعرفت «الكدادة» في المملكة بأنها مهنة توصيل الركاب بالسيارات الخاصة للكدادين، ويرغب كثيرون في استخدام هذه السيارات ليقينهم أن الكداد هو الأعرف بمداخل المدن ومخارجها وطرقها المختصرة، كما أن البعض يلجأ إلى الشباب منهم خاصة لمساعدتهم وتشجيعهم خصوصا حين يتوسم أن «الكداد» طالب يريد أن يحصل على مصروفه الشخصي دون أن يضطر للطلب من ذويه.

وتزدهر «الكدادة» عادة في المواسم مثل شهر رمضان والأعياد، وكذلك خلال العطل المدرسية.

حاضر متعب

الماضي الزاهر للمهنة، لم يمنع من أنها بدأت تدخل مرحلة الأفول والاحتضار، ففي جولة ميدانية لـ«الوطن» في المواقف الخاصة بالكدادة في حي كيلو عشرة بمدينة جدة، والذي تصل إليه وتنطلق منه السيارات الذاهبة إلى الطائف، والمدينة المنورة، والرياض، لاحظت تكدسا كبيرا للكدادة، وسط منافسة شرسة من سيارات الأجرة، ولاحظت طوابير طويلة لتلك السيارات في انتظار الزبائن الذين شحّ عددهم منذ بداية أزمة كورونا.

تكدس طويل

يعتمد كثير من الكدادة على المهنة لتأمين دخله اليومي، ويبرر كثير منهم التكدس والانتظار منذ ساعات الصباح الباكر إلى منتصف الليل بأسباب متفاوتة، تتباين بين طلب لقمة العيش، وبين الاعتياد على هذا العمل، أو عدم إجادة غيره، وبين البحث عن مصدر رزق إضافي.

وأكد كثيرون ممن تحدثوا إلى «الوطن» أن أغلبهم يصل الموقف في تمام الساعة الخامسة صباحاً، حيث ينتظمون في طوابير الانتظار بحسب وصولهم، ويختلف طابور سيارات الأجرة، عن طابور السيارات الخصوصية.

مهنة المتقاعدين

على الرغم من رغبة كثير من الشباب ممارسة هذه المهنة التي تعطيهم حرية الحركة وتبعدهم عن التقيد بدوام رسمي، إلا أن موقف الكدادة يعج بفئات عمرية مختلفة، ويشكل المتقاعدون نحو نصف عدد العاملين فيه، حيث شكلت المهنة بالنسبة لهم فرصة لزيادة الدخل، وإمضاء الوقت خارج المنزل، وقتل الفراغ بعد الإحالة إلى التقاعد.

يقول العم حمد الحربي، وهو متقاعد يعمل بهذه المهنة «بدأت هذه المهنة منذ نحو 10 سنوات وقد باتت جزءا من روتين حياتي اليومي».

ويضيف «بدأت هذه المهنة حتى قبل التقاعد بسنوات.. وعلى مدار السنوات العشر الماضية قمت بإيصال مئات الركاب إلى مختلف مدن المملكة، وأغلبهم من الأجانب الذين لا يستطيعون دفع مبالغ كبيرة لشركات التوصيل الشهيرة».

ويتابع «بدأت الأوضاع في التدهور منذ بدء جائحة كورونا وسفر كثير من الأجانب إلى بلادهم، قبل الجائحة كان معدل الركاب في اليوم يزيد عن أربع ركاب إلى مكة المكرمة، أما اليوم فبالكاد نحصل على راكب واحد يريد الذهاب في الغالب إلى مدن بعيدة مثل الرياض، أو المنطقة الجنوبية».

مشاكل مشتركة

يعاني الكدادة من عوائق كثيرة ومشكلات عدة تعترض عملهم بطريقة نظامية، لعل أهمها عدم وجود مساحات أكثر تنظيما وأماكن للراحة، فكثير منهم قد ينام في سيارته الخاصة لساعات طويلة في انتظار قدوم الركاب، ناهيك عن المنازعات الفردية بين أصحاب السيارات القديمة والجديدة على الركاب لعدم وجود شخص مختص في ترتيب سير الطابور، كما يعد تفاوت الأسعار بين الكدادين من أهم أسباب النزاعات الفوضوية التي تتكرر يوميا.

مطالبة بالتطوير

طالب فهد الزهراني من خلال «الوطن» بأن تعمل وزارة النقل على النظر في تطوير المواقف الخاصة بالكدادة كي تتسنى لهم ممارسة عملهم بطريقة منظمة، وإيجاد أماكن للاستراحة، وقال «كثيرون منا يقفون منتظرين تحت حرارة الشمس في فصل الصيف، و80 % منا بحاجة لهذه المهنة لتأمين أو تحسين دخلنا، فهذه ليست مهنة لإضاعة الوقت».

تحديات تواجه مهنة الكدادة

المنافسة القوية من سيارات الأجرة الحديثة

عدم وجود ضوابط للمهنة

عدم توفر مساحات انتظار منظمة

غياب أماكن الراحة خلال الانتظار

المنازعات الفردية على الركاب بين أصحاب السيارات القديمة والجديدة

تفاوت الأسعار بين الكدادة