كشفت التصريحات الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب إردوغان حقيقة مشاعره العدائية التي تفيض تجاه الأمة العربية، وأكدت من جديد أن الرجل الغارق في أوهامه، والمحبط من فشل مشروعه الإخواني التدميري لا يحمل في دواخله سوى الحقد لهذه الأمة وأبنائها، ولا يرجو لها غير الزوال والخراب، شأنه في ذلك شأن متابعيه وأذياله من حملة الفكر الإخواني الإرهابي، الذين يريدون فرض وصايتهم على الآخرين، ويسعون إلى تطبيق نظرياتهم المرفوضة ولو على جماجم الشعوب.

في كلمة ألقاها خلال مشاركته، الخميس الماضي، في افتتاح الدورة التشريعية 27 لبرلمان بلاده، هدد الرئيس التركي الدول المعارضة لسياساته التخريبية في المنطقة وتدخلاته في شؤونها، وتطاول على دول الخليج، مدعيا أنها لم تكن موجودة في الماضي وربما لن تكون موجودة في المستقبل، وكأنه - حاشا لله - قد أوتي مفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا سبحانه وتعالى.

إردوغان المنشغل حتى أذنيه بأوهام إعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية لم يكتف بتلك الكلمات المرفوضة، بل ادعى أن رايته ستظل مرفوعة في المنطقة إلى الأبد، وهنا يحق لنا جميعا أن نتساءل؛ عن أي راية يتحدث؟ إن كان يعني راية التوحيد والإسلام فهي مرفوعة بحمد الله عالية خفاقة ترفرف في عنان السماء، يحملها أبناء هذه الأمة ويحميها رب السماوات والأرض.


أما إن كان يعني راية الإمبراطورية العثمانية التي غربت شمسها إلى الأبد فإن الزمن لن يعود إلى الوراء، ومن ابتلاهم الله بأن كانوا جزءا منها لا يذكرونها بالخير، فلم يعرفوا عنها سوى الاحتلال والبطش والتنكيل. وإن كان يقصد راية حزبه الإخواني الإرهابي فهي لن ترفع بإذن الله ما دامت فينا عروق تنبض وعقول تدرك وتستوعب.

التصرفات المتناقضة لهذا الرجل وتصريحاته المرتبكة وخطبه غير الرصينة توضح بجلاء أنه لا يعرف دوره، ولا يدرك حقيقة المطلوب منه، فإن كان سياسيا فإن مهمة السياسي ليست الغوص في الماضي وإنما النظر إلى الحاضر والتطلع إلى مستقبل مشرق لشعبه، والبحث عن أفضل السبل التي تمكنه من تطويع الظروف واستغلال الفرص والإمكانات لإحداث النهضة وبسط العدل. أما تلك الخطرفات والحديث المرسل والتهديدات الجوفاء فهي أساليب الساسة الفاشلين العاجزين عن تحقيق أحلام شعوبهم.

الدلالات لكلمات الرئيس التركي كثيرة ولا يمكن حصرها، فهو ابتداء ألقى كلماته في استهلال الدورة التشريعية للبرلمان التركي، وكأنه يريد بذلك الإيحاء لنوابه بأن هذا هو نهج الحكومة خلال الفترة المقبلة، وأن عليهم التجاوب مع سياساته العدائية تجاه الدول العربية.

كذلك مما يثير الانتباه أن مثل تلك التصريحات العنترية تتزامن باستمرار مع تزايد إخفاقاته وسوء إدارته لشؤون بلاده، ولا أدل على ذلك من التدهور المريع الذي يضرب حاليا كافة جوانب الاقتصاد التركي، والتراجع غير المسبوق لليرة التركية، وازدياد معدلات البطالة وتدني مستوى المعيشة، إضافة إلى الخلافات الكبيرة التي يعاني منها حزبه، والتي دفعت العقلاء من أعضائه إلى الانسلاخ عنه وتكوين كيانات مناوئة له، للدرجة التي شكلت له تهديدا مباشرا.

لذلك كلما تردّى وضعه سياسيا وتراجع اقتصاديا زاد السلطان الموهوم بالأهمية من حدة انفعالاته وخرجت كلماته غصبا عنه لتوضح للعالم أجمع حقيقته التي يحاول مداراتها بمساحيق باهتة، بعد أن سقطت أوراق التوت وتلاشت صورة القائد المسلم التي كان يحاول خداع الناس بها وتسويقها وسط البسطاء.

السؤال الأكبر هو ماذا فعلت دول الخليج لإردوغان من سوء حتى يتعمد مهاجمتها ويطلب عداءها ويحاول عبثا استفزازها؟ أليس الخليجيون هم الذين رفعوا اقتصاد بلاده باستثماراتهم وأنفقوا مئات المليارات في منشآتها السياحية وأنعشوا سوق عقاراتها؟ ألم تدعمه دول الخليج سياسيا في كثير من المواقف التي تشهد بها أروقة الأمم المتحدة؟ هل ينبغي علينا أن نصغي إليه وهو يحاول تمثيل دور المعلم الفاشل حتى يرضى عنا؟

الإجابة على تلك التساؤلات واضحة ولا تحتاج إلى كبير عناء، وهي أن النزعة العنصرية لإردوغان غلبت عليه وتجلت في أوضح صورها، فهو والنظام الإيراني وجهان لعملة واحدة، فكلاهما يبحث عن استعادة أمجاد طوتها عجلة الزمن، وكما يبحث الفرس عن إمبراطوريتهم التي دكتها خيول المسلمين فإن أردوغان ما زال يحاول مغالطة الواقع وإعادة تشكيل الإمبراطورية العثمانية التي رفض العرب أن يكونوا جزءا منها واستقلوا ببلادهم وامتلكوا قرارهم.

وفي سبيل تحقيق ذلك الوهم لا يتورع هذا الرئيس الذي ابتلى الله به تركيا عن افتعال الأزمات وتجييش المرتزقة وشراء مواقف من استرخصوا أنفسهم، وزرع بذور الشقاق والخلاف في لبنان والعراق وسورية وليبيا وحتى أذربيجان، فأينما توجهت بوصلة اهتماماته حل الخراب وعم الفساد.

إن كان للرئيس التركي من نصائح يرى أنها مفيدة فإن الأولى بها شعبه المقهور واقتصاده الذي يتدهور كل يوم بسبب السياسات الارتجالية الفاشلة، وبلاده التي تتراجع باستمرار في سجل الديمقراطية والشفافية بعد أن حولها الديكتاتور إلى سجن كبير يزج فيه بكل من يجرؤ على معارضته وانتقاد توجهاته. وفتح أبوابها أمام كل من لفظته بلاده وأثرى على حساب شعبه تطارده اللعنات وتلاحقه أصابع الاتهام.

أما العرب على وجه العموم والخليجيون منهم تحديدا فقد عرفوا طريقهم وساروا في درب النهضة والازدهار ولن يكلفوا أنفسهم عناء النظر إلى الوراء والسير خلف من أثبتت الأيام فشله ولفظه أقرب حلفائه، وانكشفت سوءاته أمام الجميع. والنجاحات التي حققتها دول الخليج في سنوات قلائل بفضل قادتها الحكماء وسياساتها المتوازنة وشعوبها الواعية تتحدث عن نفسها ولا تحتاج لمن يدافع عنها أمام من يحاول طمسها أو إنكارها.