بين شواطئ جدة وأزقتها التاريخية ولد ونشأ الفنان فوزي محسون. تلقى تعليمه الأولي في كُتاب بحارة الشام، قبل أن يلتحق بـ(المدرسة الرشيدية) 1947. نشأ في بحارة الشام إحدى حارات جدة الأربع التاريخية، فكان واحدا من أشهر الشخصيات التي أنجبتها، ليرتبط فنه ونبض أغانيه بها، متلألئة في سماء الأغنية السعودية، فاستحق لقب (سيد الشجن) و(ملك الفلكلور).

نور الصباح

يعود الفضل الأول لبدايات فوزي الفنيّة للشاعر والمنتج لطفي زيني الذي كان زميلاً له في العمل. كان لطفي ببداية مشواره في كتابة الأغنية، وفوزي محسون لم يكن يعزف العود في تلك الفترة إنما كان كغالبية الناس يستهويه الغناء. في أمسيّة من الأمسيات عرض عليه لطفي زيني بعض الكلمات التي كتبها، وطلب منه أن يغنيها بعد أن يبحث عن ملحن يلحنها، ولظروف عائلية تردد فوزي في بادئ الأمر، لكنه اقتنع في النهاية، واندفع لتلحينها بنفسه دون أي آلة موسيقية. تم ذلك وسُجلت الأغنية في الإذاعة بعنوان (نور الصباح).

لقاء طلال

تعلم فوزي عزف العود على يد الفنان محمد علي سندي الذي عَرَّفه على المقامات والأنغام، وكيفية الغناء الصحيح المصحوب بالعُرَب الموسيقية وتلوين الأداء. أول لقاء بينه وبين طلال مداح كان عندما التقيا مصادفة في الإذاعة، كان فوزي يعرف طلالا بحكم شهرته، وفوجئ به يسلم عليه ويهنئه على الألحان التي قدمها للإذاعة، فعد فوزي ذلك، لفتة جميلة تدل على أصالته وخلقه المميز.

عشقه الكبير لطلال مداح دفعه ليُفَرغ نفسه للتلحين أكثر، حيث أهداه أغنية في أول مشواره، شاعرا أن الأغنية قد تتمدد انتشارا بأصوات غيره من المطربين، وهذا ما جعله يلحن لغيره بصورة أكبر من تلحينه لصوته، لكنه رغم ذلك قدم بصوته أعمالا ستظل خالدة في وجدان الناس.

ظهور أول

في رحلة التأسيس للنهضة الفنية السعودية بزغ نجم فوزي محسون متوشحا بالمعرفة متسلحا بالموهبة، متخذا من أدواته التي غزلها من بيئته الاجتماعية وحاضنته الشعبية، شخصية فنية متميزة.

كان أول ظهور لفوزي على المسرح عام 1960، ليشع نجمه في تردد أغانيه عبر الإذاعة والمسامع بشكل أوسع، مقدما بصوته أغنيات كثيرة ظلت في الوجدان، نقشت زخارف أنغامها على كل باب وروشان يفوح عبيرها في ذاكرة النغم، ومن تلك الأغاني (سبحانه وقدروا عليك)، (عتبي عليك كله عشم)، (يا نايم الليل الطويل)، (حيارى)، (يوم اللقا)، (شوية حب)، (ياللي انت بكره مسافر إلى ديار الحبيبة)، (متعدي وعابر سبيل)، (أبغى تذكار)، (روح احمد الله وبس) وجميعها من كلمات صالح جلال.

عهد الهوى

غنى فوزي من كلمات ثريا قابل أغاني عديدة، منها (اديني عهد الهوى)، (حاول كدا وجرب)، (من بعد مزح ولعب)، (ياللي تمكن هواك)، وأغنية (يا من في قلبي غلاه) من األحان الفنان طارق عبدالحكيم. ولعل من أبرز ما نجح من أغنيات له بأصوات أخرى من كلمات ثريا قابل، وألحان فوزي محسون: (اديني عهد الهوى)، (من بعد مزح ولعب) غناء طلال مداح، وأغنية محمد عبده (لا لا وربي).

كما شدا للأمير بدر بن عبدالمحسن أغنية (ناعم يا ندى) وأغنية (غادي)، وغنى من كلمات الشاعر المنتظر أغنية (قديمك نديمك).

زخارف إبداعية

كان لفوزي محسون طابعه الموسيقي الخاص في التعامل مع الشعراء الموهوبين، ومن كُتاب الأغنية الذين دخلوا هذا المجال من خلال موسيقاه وأصبحوا أسماء جيدة في هذا المضمار، منهم الإذاعي عبدالعزيز شكري، الذي يُذكر اسمه عندما يكون الحديث عن الأغنية الحجازية مقترنا بفوزي، حيث قدم من كلماته أغنية (ما تبغى تهدأ تروق)، (يا ليت بكرا الربوع) بصوت فوزي نفسه.

وجمعته بطلال مداح أعمال عديدة كانت عبارة عن زخارف إبداعية في عالم الغناء، ومنها (ياللي جمالك)، (كلام البارحه تغير)، و(لسه برضه جاي تعاتب)، و (لا تصدق)، و (روح وفكر)، كما أنه وضع لمساته الفنية في كثير من ألحان طلال مداح، حتى أنه كان لا أحد يستطيع التفريق بين لحنيهما، وكانا أثناء غنائهما للحن، أحدهما يعزف على العود والآخر يمسك بالإيقاع، ولا يهتمان بلمن سينسب اللحن في الأخير، كون صداقتهما تعدت حدود ذلك. أما أبرز ألحانه مع محمد عبده فهي أغنية (لا لا وربي) وأغنية (هنوا العروسة).

تأثر بليغ

ارتبط فوزي محسون بعلاقة جيدة مع أم كلثوم في عام 1969، عند زيارتها للسعودية بدعوة من الأمير عبدالله الفيصل، أدت خلالها مناسك العمرة، ونشأت أيضا صداقة بينه وبين الملحن بليغ حمدي، حيث كانا يجتمعان دائما ويستمع لأعماله أثناء زياراته للمملكة، وكان ينقلها إلى زملائه الملحنين بمصر، وفوجئ المستمع السعودي ذات يوم حينما سمع المقدمة الموسيقية لأغنية (الحب كله) لأم كلثوم حيث إنها نسخة طبق الأصل من لحن (المجرور) الشهير الذي لحنه فوزي محسون آنذاك في أغنية (عشقته ولا لي بالمقادير حيلة).

تأثر بليغ حمدي إنسانيا وفنيا بهذا العبقري السعودي الذي كان دائما ما يخاطب المشاعر بألحانه، فبدأ الإعلاميون السعوديون في ذلك الوقت بالكتابة، أن مقدمة اللحن مأخوذه من أغنية فوزي محسون (عشقته)، وابتدأت الضجة الإعلامية تكبر وتتعالى، بينما الصحافة المصرية حاولت نفي الخبر.

اعتذار أم كلثوم

بعد أن تعرفت أم كلثوم على أغنية (عشقته) التي كان جزءا منها مقدمة لأغنيتها (الحب كله) ، سألت (بليغ) عن الموضوع، فاعترف لها بأنه اقتبس جزءا صغيرا من لحن فوزي نظراً لتأثره وجدانيا بهذا اللون العجيب، وكان ينوي الذهاب إليه والاعتذار منه، لكن المفاجأة أن أم كلثوم قالت لبليغ، أنا ذاهبة إلى السعودية وسأقابله هناك. وبالفعل وصلت أم كلثوم إلى جدة، ونزلت بفندق الكندرة، وطلبت مقابلة فوزي، الذي ذهب لمقابلتها والسلام عليها مصطحبا معه صحفيا واحدا ومصورا. اعتذرت له أم كلثوم عن الاقتباس من اللحن، قبِل فوزي اعتذارها وقال: إني فخور بأنك تغنيتي بلحنٍ من ألحاني. طلبت منه بعدها أسطوانات من أعماله، وذكرت في إحدى مقابلاتها الإذاعية، أنها تحب أن تستمع لـ(فايزة أحمد) في مصر ولـ(فوزي محسون) بالسعودية.

فوزي محسون

- ولد بجدة عام 1929

- عمل موظفاً في (مصلحة البريد)

- توفي عام 1988

له من الأبناء:

إبراهيم وخالد وإيهاب ونادية ولميس