عرفت البشرية طريقة الاستعانة بروايات الشهود منذ بدايات ممارستها للحكم والتشريع والفصل في مصالح الناس. والشاهد يشهد بما رأى أو علم، وفي معظم الأحوال تكون شهادته تحت القسم. ومعنى ذلك أن للشهود مرجعية من ضمائرهم ومبادئهم فقط.

ولكن الواقع أن قوة هذه المرجعية لا يمكن للقاضي أن يتبينها بشكل قاطع ودقيق. ولذلك قلما يستدل بالشهادة وحدها أمام القضاء، بل تصنف الشهادة كقرينة ولا ترقى لمرتبة الدليل إلا في حال تواترت من عدة شهود وتضافرت عدة شهادات وتطابقت مضامينها، وهذه حالة لا نراها عادة إلا في الجرائم واسعة النطاق، كجرائم الحرب أو ما يعرف بجرائم الإبادة الجماعية، أو التطهير العرقي ونحوها.

ولحساسية الأمر ولكثرة ما يمر على دوائر القضاء من شهود زور، فقد حددت القوانين معايير لقبول الشهادة، ومنها ألا تجر الشهادة مصلحة، كأن يشهد موظف لصالح رئيسه أو رب عمله، أو أن يشهد صاحب المنفعة المباشرة ضد صاحب حق كما في قضايا المواريث على سبيل المثال.

ولكن في رأيي أن هذا لا يكفي، ذلك أننا كقانونيين نرصد تحول الأمر إلى باب للتكسب، وظاهرة ينبغي سن القوانين المشددة لمحاصرتها.

مما أقترحه في هذا الصدد هو وضع سجلات رسمية تحتوي على قوائم بأسماء من يكثرون الشهادة في أوقات متقاربة، وفي عدد من القضايا، وأن يتم تحديث هذا السجل باستمرار، ويعمم على المحاكم في جميع أنحاء المملكة. كما يجب مراقبة أرصدتهم المالية، ومطالبتهم بالإفصاح عن مصادرها.

كما أن المصلحة الوظيفية مشمولة بهذا الصدد، فالتسهيلات والمميزات والترقيات والمهام عندما تتركز على موظف واحد يصادف أنه قدم شهادة لمصلحة جهة عمله، كل هذه إشارات ينبغي أن ينظم القانون متابعتها وضبطها والمحاسبة عليها.

ولا شك أن اتخاذ شهادة الزور طريقا للثراء والمكاسب، هو جريمة بحد ذاتها تتسبب في تأخير العدالة وإضاعة وقت القضاء، وتعطيل مصالح الناس.