(1)

لا زالت الأصداء تتوالى على لقاء الأمير بندر بن سلطان في قناة العربية حول مواقف القيادات الفلسطينية، ودور المملكة العربية السعودية تجاه القضية محلياً وعالمياً.

(2)

في خطاب تم تسريبه في مواقع التواصل موقّع من رئيس ديوان وزير الخارجية والمغتربين الفلسطيني، يمنع فيه السفراء الفلسطينيين التعاطي بأي شكل من الأشكال أو التعليق أو الإشارة أو الكتابة حول تصريحات الأمير، أو التحدث حول الأمير ذاته أو الإشارة بأي شكل حوله أو خلفيات تصريحاته.

وكذلك يمنعهم من المدافعة عن الموقف الفلسطيني تجاه ما قاله الأمير في سياق المقابلات. كما يحذر الخطاب بأن من لا يتماشى بموجبه، فإن الإجراءات سوف تتخذ ضده مهما كانت مبرراته أو تفسيراته.

(3)

في اعتقادي، أن القيادة الفلسطينية لم تتوقع مثل هذه المقابلة أو هذه التصريحات من شخصية لها وزنها لدى القيادة السعودية والشعب السعودي.

وبما أن السعودية تعتبر أكبر المانحين للميزانية الفلسطينية، بحسب ما أشارت إليه بعض التقارير الصادرة عن وزارة المالية الفلسطينية. فإن مثل هذا الخروج الإعلامي الواضح من شخصية ذات ثقل، بالتأكيد سيسبب أزمة في ذهنية القيادي الفلسطيني الذي تعوّد على طريقة الدعم السخي والصامت من المملكة، خوفاً من أن الأمر قد يصل إلى كارثة مالية مستقبلية في الحكومة الفلسطينية، في حال لو تخلت المملكة عن الوقوف إلى جانب القضية. ولذلك أعتقد أنهم حاولوا إدارة الموضوع كإدارة أزمة.

(4)

ما الدرس المستفاد هنا؟

بدايةً، يجب أن نعرف كيف أدارت القيادة الفلسطينية التعامل مع هذه الأزمة، وعلى أية إستراتيجيات اعتمدوا.

من أهم الإستراتيجيات، والتي من الممكن أن القيادة الفلسطينية عملت وتعمل عليها؛ إستراتيجية (كبت الأزمة) والتي يتم فيها إغلاق كافة المنافذ، التي من الممكن أن تنفذ من خلالها قوى الصراع، حيث تم بهذا الخطاب المسرب، إفقاد القوى المضادة القدرة على التفكير والقيادة ورد الفعل، مما يفقد الأزمة التوازن ويجعلها تتخلخل ثم تتلاشى.

أيضاً هناك إستراتيجية (بخس الأزمة) أي التقليل من شأنها ومن تأثيراتها ونتائجها، وبالتالي تصويرها على أنها مجرد زوبعة في فنجان، ولا تملك خطورة أو أهمية، حيث لم نر ردة فعل شعبية وقوية ومؤثرة في الداخل الفلسطيني، وعلى وسائل تواصله العامة. حيث يشير هذا الأمر إلى أن القيادات الفلسطينية تعتبر هذا أمرا لا يستحق الرد.

عزيزي القارئ؛ إن فهمك واستيعابك لهذه الإستراتيجيات سيعطيك القدرة مستقبلاً على التحرك والمناورة فيما لو واجهتك مواقف مماثلة في حياتك العملية والاجتماعية، وبحسب تطبيقاتك لهذا الفهم والاستيعاب، ستكون الأضرار والنتائج متفاوتة ومرتبطة بمدى قدرتك على إنهائها.

(5)

قبل أن تصنع أي أزمة، أو أن تتسبب في صناعتها وتساهم فيها، عليك أن تعرف حجمك وقدراتك ومهاراتك أمام الأطراف الأخرى التي تنوي أن تتنازع معها.

(6)

استطراد صغير:

يذكر أحمد أمين في مذكراته، أنه زار القدس عام 1930 واجتمع ببعض علمائها وأدبائها، وعلى رأسهم إسعاف بك النشاشيبي، والسيد الحسيني مفتي فلسطين، ثم يستطرد فيقول ما نصه: (وأنتهز الفرصة فأجتمع ببعض رؤساء الأحزاب في فلسطين، فأستمع إلى أحاديثهم وأعرف كيف يتنازعون على المصالح الشخصية، لا على المبادئ العامة، فأرثي لحالهم وأتوقع من ذلك الشر لبلادهم).