تولي المملكة العربية السعودية أهمية خاصة لجهود محاربة الفساد واستئصاله من جذوره، إيمانا منها بأنه والإرهاب وجهان لعملة واحدة، وأنه لا معنى لأي تنمية اقتصادية أو تطور أو ازدهار ما دام هناك من يستحل لنفسه أن يستأثر بأموال الدولة لمصلحته الشخصية، وأن يطوع وظيفته لتحقيق مكاسبه الذاتية.

ولتمكين الأجهزة المختصة من أداء مهامها كما هو مطلوب منها فقد تم ربط هيئة الرقابة ومكافحة الفساد بالمقام السامي مباشرة، حتى تكون لها الاستقلالية التامة التي تعينها على القيام برسالتها التي ينتظرها منها المجتمع. لم تقف الجهود الحكومية عند ذلك الحد، بل تم دمج الجهات الحكومية المختصة بمحاربة الفساد، وهو ما أدى إلى منع تضارب الاختصاص أو تشتيت الجهود، وتقصير أمد التقاضي وتقليل المدة التي كانت تحتاجها إجراءات التقصي والتحقيق.

الجديد في الأمر أن المملكة لم تكتف بمحاربة الفساد على الصعيد الداخلي فقط، بل قامت بمبادرة للتنسيق بين دول مجموعة العشرين التي تتولى رئاستها للدورة الحالية لتعقب شبكات الفساد، وتبادل الجهود التي تحقق الأهداف المشتركة، حيث تم إقرار البيان الوزاري الأول للمجموعة، والذي يمثل خارطة طريق لاستئصال هذه الآفة، وتفكيك شبكات الفساد التي تعمل على إخفاء الأموال المسروقة وتهريبها وممارسة عمليات غسل الأموال المشبوهة، وقد تضمن البيان 10 مبادرات في طليعتها مبادرة الرياض التي تنادي بإنشاء شبكة عالمية ومنصة دولية لتبادل المعلومات وكشف أساليب الفاسدين، بدعم من مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، وذلك من خلال ما يلي:

• إنشاء شبكة لسلطات إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد؛ يكون مقرها في فيينا، النمسا.

• إنشاء مركز إلكتروني متكامل لهذه الشبكة، يتضمن منصة اتصالات آمنة لتبادل المعلومات بين سلطات إنفاذ القانون، تحت إشراف مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC).

• العمل على تطوير المعرفة والقدرات داخل الشبكة من خلال عقد برامج تدريبية في مكافحة الفساد، وإعداد أوراق تتضمن سياسات

د) تنظيم اجتماعات دورية للممارسين في مجال إنفاذ القانون المعنيين بمكافحة الفساد وغيرهم من الخبراء في هذا المجال، لتبادل المعلومات، والنقاش في القضايا المطروحة حسب مقتضى الحال

والمملكة عندما تقوم بهذا الدور المتميز على الساحة العالمية، فإنها تنطلق من الإنجازات الكبيرة التي حققتها في هذا المجال، ولا أدل على ذلك من الترحيب الدولي بالمبادرة التي انضمت لسلسلة من المبادرات الأممية والدولية، مثل اتفاقية الأمم المتحدة لمحاربة الفساد (UNCAC)، وذلك بهدف تعزيز التعاون بين سلطات إنفاذ القانون المعنية بمحاربة الفساد في مختلف دول العالم، وتبادل المعلومات والمستندات، لا سيما في هذا العصر الذي ترتبط فيه شبكات الفساد في كثير من دول العالم وأصبحت الجرائم عابرة للحدود.

تقرير المبادرة أشار أيضا إلى أهمية وسائل التعاون غير الرسمية التي من شأنها تعزيز أطر التواصل وتمرير المعلومات وتبادل المستندات والأدلة وتعزيز المعرفة، بهدف تحليل المعلومات والحيثيات، والعمل على استرداد الأموال المنهوبة. وبناء على ما سبق فقد تم الاتفاق على إنشاء شبكة لسلطة إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد، يكون مقرها في فيينا، النمسا، وإنشاء مركز إلكتروني يتضمن منصة اتصالات آمنة لتبادل المعلومات بين سلطات إنفاذ القانون، تحت إشراف مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. وقدمت المملكة تمويلا للمبادرة بمبلغ 10 ملايين دولار لأداء رسالتها.

التقدير العالمي الذي قوبلت به المبادرة يمثل شرفا كبيرا لنا، وإنجازا يضاف إلى سجل الإنجازات التي تحققها المملكة، وسعيها الدؤوب إلى شغل المكانة المرموقة التي تليق بها، إضافة إلى تخليص العالم من هذا الوباء الذي بدد الموارد وأذهب القدرات. لأن مخاطر الفساد المالي والإداري لا تخفى على أحد، فهو أكبر معطلات التنمية، لأنه يتسبب في إحباط الجهود التي تبذل لتنمية الأوطان، ويجهض كافة الخطط التنموية، ويؤدي إلى فقدان العدالة، كذلك فهو الوجه الآخر للإرهاب والتطرف، حيث أثبتت التحريات المطولة أن الأموال غير معلومة المصدر هي أكبر القنوات التي تغذي تيارات العنف والضلال.

وكما حققت المملكة نجاحا رائدا على مستوى العالم في هزيمة الإرهاب ودحر فلوله واستئصال شأفته، فهي تسير على ذات الطريق للتخلص من وباء الفساد، وشنت حملة واسعة نالت تقدير العالم أجمع، ولفتت الانتباه وأصبحت نموذجا يحتذى، ولا أدل على ذلك من التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية لمؤشر مدركات الفساد للعام الحالي 2020، والذي حمل مؤشرات عديدة تستحق الوقوف والتأمل عندها، في مقدمتها أن المملكة تواصل التقدم بثبات في طريقها لاستئصال آفة الفساد، وأن السنوات الأخيرة شهدت تقدما هائلا في هذا الصدد وهو ما تثبته الأرقام.

أكثر ما يثير الإعجاب هو اتجاه المملكة لمشاركة مواطنيها في تحقيق الأهداف التي يطمحون لها جميعا وتهفو إليها نفوسهم، لذلك شجعتهم على الإسهام في كشف الفساد، وإشراكهم في الجهود التي تسعى لتحقيق مصالحهم، وقام خادم الحرمين الشريفين بإصدار توجيهات صارمة بمنع تعرض كل من يبلغ عن واقعة فساد مالي أو إداري في مؤسسة أو جهة حكومية يعمل فيها لأي إجراءات عقابية أو انتقامية من جهة عمله، لتأكيد أن الدولة في ظل سعيها لمكافحة الفساد وإقرار مبادئ الشفافية والعدالة لن تتوانى في حفظ حقوق من يسعون إلى إنزال تلك القيم النبيلة على أرض الواقع، وضمان عدم تعرضهم لأي عقوبات بسبب ذلك.

خلاصة القول أنه لن يعود في المملكة مكان لضعاف النفوس الذين يستأثرون بالمال العام وينهبون خيرات الأوطان، وإيمانا من القيادة الحكيمة بأهمية العمل الجماعي ها هي المملكة تتقدم دول العشرين لتحقيق ذلك الهدف السامي، وتقدم المبادرات الرائدة التي من شأنها تحقيق أهداف سريعة وتوجيه ضربات ناجعة لمكامن الفساد وجحوره.