وطننا كائنٌ حيٌّ في أرواحنا، نراه ينمو ويكبر، مع سنوات عمرنا، ومن سنوات باتت ملامح السعودية العظمى تتضح، وتتشكل في مشاعرنا ووجداننا، حبًا وولاءً ووفاءً، بشكل أكثر عمقًا وترسخًا، وبات للمواطنة في بلدنا طعم خاص، بعد أن تخلصنا من عقدة الأممية، ونظرية الجسد الواحد الصحوية المتطرفة التي كانت تلغي الوطن، وتعتبره حفنة تراب لا أكثر.

لقد جاء حديث سمو ولي العهد -حفظه الله- في سياق تصريحه بمناسبة الخطاب الملكي الكريم لمجلس الشورى، إزاء ما تحقق من منجزات لرؤية 2030، دليلًا جليًا وبالأرقام على أننا نسير بالاتجاه الصحيح، وبتسارع مضطرد، وفقًا للإنجازات التي تحققت في إطار الرؤية، وعطفًا على أخذ مسارات التنمية في بلادنا اتجاهها الصحيح.

كاريزما الأمير محمد بن سلمان التي جعلت العالم كله يصفق إعجابًا واندهاشًا بشخصيته الفذة، عززتها لغة الإنجاز، ولغة الأرقام، التي تخرج بين كل كلمتين في حديث سموه الكريم، وكأن الرقم هو من يتحدث عن الإنجاز في جميع المسارات التنموية.

إعجابنا لم يأت من فراغ، فقد خطف سموه الأضواء في أول ظهور إعلامي له عندما تحدث عن تنويع مصادر الدخل وإعادة توزيع الثروة، ثم بتصريحاته عن شن حرب لا هوادة فيها ضد الفساد الذي طال رموزًا توهمنا أنهم فوق المحاسبة والعقاب، ليكونوا تحت طائلة المساءلة والعقاب الرادع، وعلى أعلى المستويات.

وفي مبادرة مستقبل الاستثمار قبل عامين، وقف سموه الكريم ليقول بكل شموخ: «سنكون مختلفين خلال خمس سنوات فقط، وستكون منطقة الشرق الأوسط هي أوروبا الجديدة»، ليلهم بذلك، ليس السعوديين والعرب فحسب، بل العالم كله، واليوم يقف ليتحدث طويلًا عما تحقق من منجزات هي الفخر لكل سعودي.

فقد تحققت -بفضل الله- اليوم مستهدفات التنمية في مستويات الإسكان، والعمل، وازدهار الاقتصاد رغم ظروف جائحة كورونا، وتنويع مصادر الدخل، واستحداث قطاعات مهمة، مثل الترفيه ودعم الرياضة وتحسين جودة الحياة، وليس غريبًا أن يكون الوطن والمواطن في قلب القيادة الكريمة التي تستحق هذا الشعب، ويستحقها شعبها الكريم الأبي.

حديث سمو ولي العهد -أيده الله- اشتمل عدة جوانب إصلاحية اتخذتها المملكة خلال السنوات الأربع الماضية؛ اجتماعية، واقتصادية، وإدارية، وفي مجالات محاربة الفساد، ومحاربة التطرف، وخطابات الكراهية، والإرهاب، إلى جانب الآفاق المستقبلية الطموحة التي ستسير عليها المملكة، ويصعب الحديث عن كل الجوانب المضمنة في حديث سموه الكريم، في مقالة أو اثنتين ولكني سأشير إلى أبرز ما يهمني كسعودي، والتي جاء في مقدمتها تأكيد سموه أن السعودية واحدة من أفضل 10 دول في التعامل مع التبعات الاقتصادية لجائحة كورونا، وأننا سنكون من أقل دول مجموعة العشرين المتأثرة بالوباء، وكذلك ما أكده سموه الكريم من أن المملكة استطاعت في فترة وجيزة وسريعة أن تحقق إنجازات غير مسبوقة في تاريخ المملكة المعاصر، وذلك في أقل من 4 سنوات فقط، وكذلك ما أوضحه سموه من أن المملكة تعد أحد أكبر وأهم اقتصادات العالم، وتسعى بجدية للعمل على مضاعفة حجم الاقتصاد وتنوعه، ووضع سموه مؤشرًا رئيسًا لنجاح الخطط الاقتصادية: وهو نمو الناتج المحلي غير النفطي؛ لأن الناتج المحلي الإجمالي يتأثر بتقلبات كميات إنتاج النفط، ولا يمكن أن تكون الحكومة هي المحرك الرئيسي له، وأشار سموه كدليل حيٍّ، على ضرورة عدم الاعتماد على الناتج المحلي غير النفطي، وأنها عملية تراجع خطيرة في حال استمرار الاعتماد على النفط وحده، بقوله: «في حال لم نقم برفع الإيرادات غير النفطية إلى نحو 360 مليار ريال هذا العام... لاضطررنا لتخفيض الرواتب للعاملين في القطاع العام بما يزيد عن 30%، وإلغاء البدلات والعلاوات بالكامل، وإيقاف الإنفاق الرأسمالي بالكامل، وعدم القدرة على تشغيل وصيانة أصول الدولة بالشكل المناسب، ولتوقفنا حتى عن دعم بند نفقات التمويل».

وفي لفتة إنسانية كريمة، تنطلق من تقديم الأولى فالأولى قال: «ومع ألمنا الشديد لإلغاء بدل غلاء المعيشة، إلا أننا نجحنا في الحفاظ على رواتب المواطنين وأغلب البدلات والعلاوات»، وذكر سموه أن زيادة معدلات التوظيف هي على رأس أولويات الحكومة فقد بدأ العمل وفق رؤية 2030 على إصلاح سوق العمل وتوفير المزيد من الوظائف للمواطنين والمواطنات.

وتطرق ولي العهد إلى جهود المملكة فيما يخص مسألة تمكين المرأة السعودية، والتي كانت في السابق لا تستطيع السفر دون تصريح، ولا تستطيع حضور المناسبات الرياضية والثقافية، ولا تستطيع قيادة السيارة، ولا تستطيع ممارسة الكثير من الأعمال، أما اليوم فتعيش المرأة السعودية مرحلة تمكين غير مسبوقة، وباتت اليوم شريكًا فاعلًا في تنمية الوطن، بل وقدمت لها الفرصة لتقود التنمية بالمعنى الأشمل.

وحول مكافحة الإرهاب والتطرف، أشاد سمو ولي العهد بجهود المملكة في ذلك، قائلاً: «لقد قدمت وعوداً في عام 2017 بأننا سنقضي على التطرف فوراً، وبدأنا فعلياً حملة جادة لمعالجة الأسباب والتصدي للظواهر، وخلال سنة واحدة، استطعنا أن نقضي على مشروع أيديولوجي صُنع على مدى 40 سنة. واليوم لم يعد التطرف مقبولاً في المملكة العربية السعودية، ولم يعد يظهر على السطح، بل أصبح منبوذاً ومتخفياً ومنزويًا».

وقال سموه: «لقد انتشر الفساد في المملكة خلال العقود الماضية مثل السرطان»، واعتبر سموه هذه الآفة العدو الأول للتنمية والازدهار وسبب ضياع العديد من الفرص الكبيرة في المملكة، وشدد سموه أن هذا الشيء أصبح من الماضي، ولن يتكرر بعد اليوم على أي نطاق كان دون حساب.

أخيرًا، كما شكرت شعبك السعودي الجبّار لقيامه بعمل رائع، فإن شعبك الوفي يبادلك حبًا بحب، وولاء بولاء، ويسديك أجمل آيات الامتنان والعرفان.