أحاسيس غامرة بالفخر والاعتزاز تختلج في نفوس السعوديين هذه الأيام؛ بمناسبة مرور الذكرى السادسة لمبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- تلك المشاعر مقرونة بشكر الله عز وجل والتضرع إليه بأن يحفظ لهم مليكهم، وأن ينعم عليه بالصحة والعافية.

اعتاد السعوديون طيلة الفترة الماضية أن تمر عليهم هذه المناسبة السعيدة وبلادهم تعيش أحداثا فارقة في مسيرتها المظفرة نحو التقدم والرفاهية، وتخطو خطوات واسعة نحو مراقي المجد والازدهار، امتدادا لإرث القيادة الحكيمة الذي أكرم الله به هذه البلاد التي اختصها بأن جعلها حاضنة الحرمين الشريفين وأرض رسالته الخالدة.

هذه الذكرى الغالية يستغلها السعوديون لتجديد انتمائهم لبلادهم، وولائهم لقيادتهم التي لم تترك بابا يؤدي إلى ما فيه مصلحتهم إلا وطرقت عليه بقوة وعزم. ولم تدخر وسعا في سبيل إسعادهم، لذلك يؤكدون وقوفهم على قلب رجل واحد خلف من كتبوا بأحرف من نور سطورا عطرة في تاريخ المملكة، وجعلوا بلادهم في مقدمة الدول لتتبوأ المكانة التي تستحقها.

كان النجاح الذي تحققه المملكة على كافة الأصعدة نتيجة طبيعية بعد أن اكتملت أركانه، وتوفرت شروطه، واجتمعت عناصره، فهذه البلاد تحظى بثروات هائلة، معدنية وزراعية وسياحية وغير ذلك، ويقطنها شعب نبيل يملك أبناؤه القدرة والطموح، بعد أن تسلحوا بالعلم والمعرفة، وأنعم الله عليها بقيادة رشيدة استطاعت بحكمتها وسعة بصيرتها أن تسخر كل تلك المقومات بصورة إيجابية، انعكست على واقع البلاد تنمية ونماء وازدهارا.

ومع أن المملكة بدأت مسيرة التنمية منذ توحيدها على يد الملك المؤسس المغفور له بإذن الله عبدالعزيز آل سعود، واستمرت خلال فترات الملوك السابقين رحمهم الله، إلا أن ما تم تحقيقه خلال السنوات الماضية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يحمل بعدا آخر، ودلالات أكثر عمقا، بعد أن تم إنجاز قفزات تنموية هائلة في مختلف المجالات.

لم تقتصر مسيرة الإنجازات على ميدان الاقتصاد وحده، فهناك نجاحات أخرى عديدة، اجتماعيا وثقافيا وسياسيا. كل ذلك على هدي رؤية المملكة 2030 التي حمل لواءها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فجاءت ترجمة صادقة لرغبات أبناء هذه البلاد، لتغير واقعهم إلى الأفضل، وتترجم العديد من الأهداف والتطلعات.

يمتاز خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بصفات قيادية فذة قلّ أن تجتمع في شخصية واحدة، فهو صاحب الخلق الرفيع، المتمسك بتعاليم الإسلام، المحب لأمته العربية والحريص على مصالح أمته العربية، كما أنه شخصية وفاقية يسعى إلى توحيد المواقف وتحقيق التقارب. إضافة إلى حرصه على لم الشمل. كذلك يبدي حرصا شديدا على تفقد أحوال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ويسارع إلى نجدة الملهوف ومساعدة الضعيف وإغاثة المحتاج. وما إن تقع كارثة بإحدى الدول حتى يسارع إلى مساعدة شعبها والوقوف إلى جانبها، فاستحق بكل جدارة لقب كبير العرب.

اللافت كذلك أنه لا يربط المبادئ الإنسانية بالمواقف السياسية، بل ينطلق من قيمه النبيلة؛ والدليل على ذلك أن المستشفى الوحيد الذي ما زال يعمل في صعدة - معقل الحوثيين ومسقط رأس زعيم التمرد - هو مستشفى السلام الذي تتولى المملكة تمويله وتشغيله والصرف عليه، وتمده بكل المستلزمات الطبية والدوائية.

في عهد سلمان الحزم والعزم قطعت المملكة شوطا كبيرا في مسيرة التحديث والإصلاح والتطوير في بنيتها الاجتماعية، وتم منح المرأة مزيدا من الفرص للانطلاق في مجال العمل العام والخاص، ضمن إطار ما أقره لها الشرع، وكفلته لها القوانين المستمدة من الشرع الحنيف. كما تزايد الاهتمام بشريحة الشباب التي تشكل غالبية السكان، والتي توليها القيادة جلّ اهتمامها، وتأخذ في الاعتبار مصلحتها عند إقرار كافة القوانين والتشريعات والتوجيهات، إدراكا لحقيقة أنها أمل الأمة وأغلى ما تمتلكه.

ومن أبرز ما تم تحقيقه خلال السنوات الماضية تلك الطفرة التشريعية الهائلة، حيث تم تعديل واستحداث الكثير من القوانين والأنظمة، مثل منظمة التجارة العالمية. كما استمرت الحرب على الفساد بكافة أشكاله، المالي والإداري بلا هوادة، وتتواصل عمليات ضرب أوكار الفساد لتأكيد أنه لا يوجد من هو فوق القانون، أو أكبر من المحاسبة، تعزيزا لقيم الشفافية والنزاهة.

لن تكفي مثل هذه المساحة لحصر الإنجازات والمكتسبات، فهي أكبر من أن تعد وتحصى، ولا يكاد يمر يوم دون أن تحقق بلادنا كسبا جديدا، أو إنجازا فريدا، حتى باتت تحتل صدارة مواقع الأخبار ووكالات الأنباء العالمية، وليس ذلك بمستغرب، لأن من يقود السفينة هو قائد ملهم منحه الله تعالى القدرة على استلهام عبر الماضي، وتصحيح الحاضر، ورسم سياسات المستقبل، وبُعد النظر ونفاذ البصيرة والرؤية السديدة، والتمسك بإحقاق العدل والإنصاف بين الجميع. وتجسيداً لكل ذلك تأتي هذه المناسبة والمملكة تتبوأ مكانة رفيعة في المجتمع الدولي، وتمثل ثقلاً عالمياً في صناعة القرار العالمي، توّج ذلك كله رئاسة المملكة لمجموعة العشرين لهذا العام.

قيادة بهذه الصفات الفريدة جديرة بأن نسارع دوما إلى تجديد الولاء والطاعة لها، وأن نكون عونا لها وسندا، بالأفعال وليس بمجرد الأقوال، وتعزيز اللحمة الوطنية، والبذل في ميادين العمل والعطاء.