يحتفل العالم هذا الأسبوع بالذكرى السنوية الخامسة لتوقيع اتفاقية المناخ، والتي التزمت فيها 196 دولة بحماية كوكب الأرض من الاحتباس الحراري، ففي الأسبوع الماضي تناولت في مقالي بعنوان «السعودية تتولى تنظيف العالم» الدور السعودي الكبير جداً لتقديم الحلول للعالم لحماية طبقة الأوزون وتنظيف المناخ وخفض درجة حرارة كوكبنا الأزرق. إن الحياد في تقييم الجهود المبذولة للوفاء باتفاقية المناخ يعني رفع القبعة طويلاً للجهود التي تبذلها الحكومة السعودية ممثلة في اللجنة العليا لشؤون المواد الهيدروكربونية، ووزارة الطاقة ووزارة الصناعة، وكبرى الشركات النفطية والكيميائية.

إن المملكة وهي صاحبة أكبر احتياطي نفطي في العالم ليست فقيرة في جانب مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة، بل هي تهدف لعلاج مشكلات تغير المناخ من خلال فلسفتين أساسيتين هما: بناء وتعظيم الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة، حيث ستعتمد في كهربائها عام 2030 على مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة بنسبة 50% على الأقل، وأيضاً تعظيم الاستفادة من النفط كمصدر تقليدي من خلال تطوير الابتكار في مجال تطبيقات المواد غير المعدنية، وأيضاً تقنيات الإنتاج النفطي والكيميائي لالتقاط الكربون وإعادة تدويره واستخدامه.

وتُعتبر السعودية الدولة الأولى على مستوى العالم في كفاءة إدارة الكربون وخفض انبعاثاته بنسبة 10% من إجمالي الكربون المنتج. كما أنها تتصدر دول مجموعة العشرين في البرامج المتقدمة لإدارة الكربون، مثل برنامج «كونفيرج» لتحويل الكربون إلى مواد رغوية وصلبة ومواد طلاء ومواد لأنظمة العزل، وأيضاً برنامج الوقود النظيف من خلال تطوير كفاءة محركات الاحتراق الداخلي للسيارات من جديد لخفض انبعاثات الوقود. أيضاً ابتكار تقنية خاصة لوقود الهيدروجين تستخدم في السيارات الهجينة التي أطلقتها السعودية كمرحلة تجريبية في 2019 عن طريق شركة أرامكو، ما سيخفض بنسة كبيرة كمية الكربون المنبعث في سماء المملكة والعالم.

وعلى الصعيد السياسي، بقيادة المملكة وافقت دول العشرين على ضخ 233 مليار دولار لرفع كفاءة قطاع الطاقة التقليدية للوفاء بالتزاماته تجاه اتفاقية المناخ. كما أن السعودية انفردت عالمياً بحلول في مجالات الأمونيا الزرقاء والخضراء والهيدروجين، واللذين يعتبران علاجاً متطوراً لمشاكل المناخ، لكن العزم السعودي لم يقف عند هذا الحد، فالعمل جارٍ على جوانب كثيرة من المواد اللا معدنية وتقنيات تخزين الطاقة وإعادة توليدها ستشكل إسهاماً كبيراً في حلحلة مشكلة الكربون إلى الأبد، وهو ما استدعى لفت الأنظار لما تقوم به شركة أرامكو السعودية الآن بتطوير تقنيات وابتكارات واعدة في مجال المواد غير المعدنية والبلاستيكية تستخدم في ألواح الطاقة الشمسية لرفع كفاءة تشغيلها وزيادة نسبة فاعليتها وخفض سعرها وتكلفة نقلها وتركيبها.

حالياً على مستوى العالم، تصل كفاءة ألواح الطاقة الشمسية في تحويل الشمس إلى كهرباء في أحسن الأحوال إلى 20%، والسبب يعود لعلوم وهندسة مواد هذه الألواح والخلايا الشمسية، حيث تسخدم حالياً مواد عزل زجاجية لحماية الألواح، ولكنها تمثل 75% من وزن اللوح الشمسي ما يحد من كفاءته في كثير من الظروف التشغيلية. وهذه المشكلة عالمية، ولكن العالم مضطر للتعامل معها لحين إيجاد البدائل.

وتعكف السعودية بعقول أبنائها وعلمائها على الانتهاء من الابتكار في مجال تطوير كفاءة ألواح الطاقة الشمسية، وذلك بعد أن طور فريق من علماء أرامكو داخل المملكة ألواحاً شمسية مصنوعة من مواد لا معدنية من خليط من رباعي فلورو إيثيلين والإيثيلين نفسه بنتائج وفاعلية ممتازة، وتأتي المفارقة الجميلة هنا باستخدام الكربون لخفض الكربون. كما تعمل السعودية على تطوير مواد من البولي كربونات للغرض نفسه وهو ما سيخفض وزن الألواح الشمسية بنسبة 75% ويرفع كفاءتها إلى 50% وهو ما يساعد العالم على الاعتماد أكثر على الطاقة الشمسية والنظيفة.

إن الحل السعودي العبقري باستخدام الكربون لعلاج الكربون من خلال الوقود الأحفوري لتعزيز كفاءة الطاقة الشمسية والنظيفة سيجعل استخدامات النفط أكثر فاعلية، ما سيزيد الطلب عالمياً على مواده المتحولة وتطبيقاتها الجديدة.

وعلى الصعيد الدولي، لا أرى كمتابع أن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة IRENA قدمت حلولاً مثل التي تقدمها السعودية للعالم، ولا أجد أنها تضع ذلك في اعتباراتها، غير أنها تصر على الدوام أن الحل الوحيد لخفض انبعاثات الكربون هو وقف إنتاج الكربون، وهو ما أثبتت الأيام والعقول السعودية خطأه، فالحكمة والتعقل اللذان تنتهجهما وزارة الطاقة السعودية في معالجة قضايا التغير المناخي كونها مسؤولية كبيرة من جهة، وكونها مستهدفًا اقتصاديًا لرؤية السعودية 2030 ساعدا المملكة كثيراً في الحصول على هذه النتائج المبكرة قبل عشر سنوات من التاريخ الهدف.