قال الرياشي: اشتری بصري جارية على أرفع ما تكون من الجمال والصباحة، فكلف بها - وكان مثريًا- فأنفق عليها ما في يده حتى أملق؛ فأشارت عليه ببيعها شفقة عليه، فلما حضر بها السوق أخذت إلى ابن معمر - وكان عاملا على البصرة - فاشتراها بمائة ألف درهم، فلما قبض المال وهم بالانصراف أنشدت:

هنيئًا لك المال الذي قد حويته .. ولم يبق في كفي غير التذكر

أقول لنفسي وهي في غشي كربةٍ .. أقلي فقد بان الحبيب أو اكثري

إذا لم يكن للأمر عندك حيلة .. ولم تجدي شيئًا سوى الصبر فاصبري

فاشتد بكاء المولى، ثم أنشأ يقول:

فلولا قعود الدهر بي عندك لم يكن .. يفرقنا شيء سوى الموت فاعذري

عليك سلامٌ لا زيارة بيننا .. ولا وصل إلا أن يشاء ابن معمر

فقال ابن معمر: قد شئت، خذها، ولك المال، وانصرفا راشدين، فوالله، لا كنت سببًا لفرقة محبين.