أولت المملكة اهتمامًا بالغًا بتعزيز حقوق المرأة وحمايتها، وتسارعت الخطى لذلك في السنوات الأخيرة؛ وصدرت حزمة قرارات وأنظمة لتعزيز حقوق المرأة، ومن ذلك عدم مطالبة المرأة بالحصول على موافقة ولي الأمر عند تقديم أو إنهاء الخدمات، وإصدار نظام الحماية من الإيذاء، ولائحته التنفيذية، ونظام مكافحة جريمة، إلا أن هناك قلة ما زالت تفرض على الفتيات ما يعرف بـ«زواج الهبة»، رغم أن القوانين في المملكة لا تسمح بزواج الهبة، ولم يعد زواج الفتاة متصلًا فقط برأي الولي، وإذا خالف الولي الاشتراطات الواجبة في الزواج يلغى. ويعرف زواج الهبة بأن تهب المرأة نفسها لرجل، فيتزوجها بدون مهر، وهو أن يقول الأب وهبتك ابنتي زوجًا لك، وهناك شريحة قليلة ما زالت تزوج بناتها عن طريق وهب الفتاة لشخص للزواج، دون أخذ رأيها أو موافقتها، وهذا ما قد يترتب عليه كثرة المشاكل الأسرية، وارتفاع حالات الطلاق، وأحيانًا الخيانات الزوجية، كما يتجاوز ذلك الأمر حرص الدين الإسلامي في التشريع بأن تكون هناك نظرة شرعية، وهو ما يدلل على أن هناك مفهومًا للاختيار بين الطرفين.

حكم زواج الهبة

لا يحل زواج الهبة إلا للنبي، صلى الله عليه وسلم، خاصة، لقوله سبحانه: (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)، ومن فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين أنه لا يصح النكاح إلا بإذنها، وأن تزويج البنت وهي لا تعلم محرم، ولا يصح العقد إلا أن تجيزه بعد ذلك؛ لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: «لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا تنكح الأيم حتى تستأمر»، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها، أي البكر، قال: «أن تسكت»، فنهى النبي، صلى الله عليه وسلم، عن تزويج البنت البكر حتى تستأذن، وهذا الحديث عام يشمل الأب وغيره، بل قد ثبت في صحيح مسلم النص على الأب وعلى البكر، وأنه يجب على أبيها أن يستأذن منها، وهذا هو القول الراجح: أنه لا يجوز أن تزوج البكر ولو كان وليها أباها حتى تستأذن. وإذا استؤذنت فإنه يجب أن تخبر بالزوج على وجه تقع به المعرفة، ولا يكفي أن يقال: إنه قد خطبك رجل فهل نزوجك؟ بل لا بد أن يبين الأمر ويقال: خطبك فلان بن فلان، وظيفته كذا وعمله كذا، ويبين لها من دينه وخلقه ما تحصل به المعرفة، فإن المرأة ستكون مع الزوج مدى الحياة إذا لم يحصل فراق من قبل، والزوج شريكها في حياتها، فكيف تزوج بدون إذنها وبدون علمها، أو تزوج وهي كارهة، وإذا كان الأب ومن دونه من الأولياء لا يملك أن يبيع من مالها ما يساوي فلسًا إلا برضاها، فكيف يمكن أن يقال: إنه يزوجها من شخص لا تريده، أو من شخص قبل أن تستأذن في تزويجها إياه، وإذا كان الأب ومن دونه من الأولياء لا يملك أن يؤجر شيئًا من عقارتها إلا بإذنها، فيكف يزوجها ويجعل الزوج يستبيح منافعها التي أباحاها الله له بدون علمها، أو بعلمها مع إكراهها، إن من تأمل مصادر الشريعة ومواردها يعلم أن الشريعة لا تأتي بمثل هذا، أي لا تأتي بإجبار البنت، أو بعبارة أخرى لا تأتي بإجبار المرأة على أن تزوج من شخص لا تريده.

النظرة الشرعية للطرفين

يقول المحلل النفسي والمتخصص في الدراسات والبحوث والقضايا الأسرية والمجتمعية، الدكتور هاني الغامدي: حرص الدين الإسلامي في التشريع بأن تكون هناك نظرة شرعية، وهو ما يدلل أن هناك مفهوما للاختيار بين الطرفين، فما بالكم بمن يجبر الفتاة على أن تتزوج ابن عمها، أو ابن خالها، أو أيًا كان إجبارًا، أو عن طريق الحجر، أو يستهين بقيمة هذه المرأة في أن يقدمها إلى من لا قد يستحق دون رغبتها بشكل أو بآخر، إذن نحن نتحدث أولا عن خط شرعي واضح، الأمر الآخر هو الأمور النفسية التي تخص هذا الجانب بشكل كبير، من خلال عدم وجود الرغبة لدى هذه الإنسانة، من ضمن ما هو مضمون لها كحق خلال الخط الشرعي، وأيضًا الجزء النفسي بإجبارها أن تعيش مع شخص لا ترغبه ضمن ما قد أعطاها المولى، عز وجل، الخيار في أن تكون صاحبة الخيار في هذا الموقف.

تبعات زواجات الهبة

تابع الغامدي: يجب ألا نغضب من خلال ما قد يترتب على مثل هذه الزيجات من طلاق أو خيانات، أو أمور آخرها قد تذهب بنا من خلال هذه الشراكة غير السليمة، وبالتالي نحن من يتحمل النتائج حينما نرى تزايد حالات الطلاق بسبب هكذا قرارات من قبل الأهل باسم الحجر أو الإجبار بتزويجهن ممن لا يرغبنه ضمن قد ضمنه لهم الحق الشرعي.

وأضاف: ولنقضي على هذه الزيجات أولاً بالوعي، وثانيًا بالقانون، وأن يكون أولياء الأمور لديهم الوعي الكافي في جزئية مفهوم الاختيار، وأن هناك أمورًا يجب ألا تتم بحال من الأحوال من خلال موضوع الإجبار، الأمر الآخر موضوع القانون حينما يسأل الفتاة ويتأكد أنها ليست مرغمة يضمن لها الحق في ذلك، كما أن الإشكالية بأن بعض الفتيات لا يصرحن بأنهن مجبرات على موضوع الزواج إجبارًا تفاديًا لموضوع عدم رضا الأهل، وبالتالي قد يؤدي بهم الأمر إلى تعذيب أو حجر، وهذا ما نراه في شريحة ما زالت موجودة إلى الآن، لكن يجب أن ننوه بأن هناك حقوقًا للمرأة تضمنها أنظمة المملكة، وبالتالي إذا كان هناك من احتياج للتواصل مع إحدى الجهات الرسمية فيمكن ذلك؛ لضمان حقوق الفتاة الشرعية والإنسانية بشكل مباشر. سلبيات زواج الهبة

تقول الدكتورة سميرة الغامدي، رئيس مجلس إدارة جمعية حماية الأسرة الأهلية: إنه من فضل الله أن القوانين في المملكة لا تسمح بزواج الهبة، ولم يعد زواج الفتاة متصلا فقط برأي الولي، وأصبح هناك إجراء ونظام إذا خالف الولي الاشتراطات الواجبة في الزواج يلغى الزواج تمامًا، ويعد مسيئًا ومتعديًا، وأثره كبير وخطير على المستوى البعيد، وإلا لم تسن القوانين، ولا نادت المنظمات العالمية بأن المرأة ليست سلعة لكي تقدم كـ«هبة»، وهي ليست بيعًا وشراء، وليست ملكية خاصة؛ فهي كيان لها احتياجاتها وإمكانيات، وهذا منظور قديم، فكان يهبون الفتيات للفرسان أو لأحد أفراد العائلة، أو لرجل ذى قيمة، مثل هذه الزيجات بالتأكيد لها الأثر السلبي النفسي من عدم استقرار، وكثرة مشاكل، وعدم استمرار حياة زوجية بنسبة تصل إلى 80%.

القانون يحمي المرأة

ذكر المحامي حسن الزهراني، أنه من حق المرأة أن ترفع دعوى بمحكمة الأحوال الشخصية تقاضي فيها زوجها، وتدعي بأنها لم تكون موافقة على الزواج، وأنه تم بدون علمها ورضاها، ويكون والدها طرفًا في الدعوى كونه تدعي عليه بأنه زوجها دون علمها، وإن ثبتت ادعاءاتها فإن المحكمة تفسخ عقد النكاح، وتلزم أبيها بإعادة المهر كاملا إلى الزوج.

* أركان عقد الزواج

- صيغة العقد.

- المهر أو الصداق.

- العاقدان.

- الشهود.

- الولي.

* تبعات زواج الهبة

- الطلاق.

- الخيانة الوزجية.

- مشاكل نفسية.

مجابهة المشكة

* الوعي المجتمعي:

أن يتحلى أولياء الأمور بالوعي الكافي لمفهوم الاختيار.

* الشق القانوني:

حفظ الحقوق القانونية للفتاة في حال رفضها الزواج.