تحفل كثير من عقود الزواج بشروط مختلفة يتفق عليها الطرفان، أو يفرضها أحدهما ويقبل بها الآخر مضطرًا أو مجاملًا أو منتظرًا إقناع مشترطها بالتنازل عنها لاحقًا. ومن هذه الشروط ما قد يفرضه الزوج على زوجته من عدم الإنجاب، وقد يكون ذلك لاعتبارات خاصة، أو لمجرد التحكم، بالرغم من أن الإنجاب من أهم مقاصد الزواج، وأعظمها نفعًا، وأكثرِها فائدة، حيث يحفظ الجنس البشري، ويكثر الأمة. ومع أن عدم الإنجاب مصادم لفطرة الناس، وبالرغم من أن الشارع الحكيم حث على نكاح المرأة الولود، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تزوَّجوا الودُودَ الولودَ؛ فإني مكاثرٌ بكم الأُمَم»، رواه أبو داود، إلا أن مثل هذه الشروط ما تزال تُطرح في عقود الزواج، مخلفة آراء متباينة حول الشرعي، طارحة المسألة للاستدلال الشرعي حول حكم اتفاق الزوجين على عدم الإنجاب، واشتراط ذلك في عقد الزواج، سواء كان ذلك الشرط المتفق عليه لأمدٍ معين، أو كان على وجه الدوام.

صفة الاشتراط

تتمثل الحالة الأولى في أن يتفق الزوجان على عدم الإنجاب لفترة مؤقتة، كما في نموذج زواج المسيار، وهو الأمر الذي يُجمع أهل العلم على أنه لا حرج فيه. فيما تتمثل الحالة الثانية، في أن يكون هناك اتفاق بين الزوجين على عدم الإنجاب للأبد، وهذا محل خلاف بين أهل العلم، فمِنهم من قال بجواز ذلك شرعًا، ومنهم من ذهب إلى التحريم والمنع، وأنه إذا جُعل هذا شرطًا في عقد النكاح، فمن العلماء من يرى بطلان العقد، ومنهم من يرى صحة العقد وبطلان الشرط، بحجة أن المنع من الإنجاب بالكلية مخالف للشرع الذي أوصى بالتكاثر والتناسل، وجعل ذلك من مقاصد الزواج، وفي الوقت نفسه ليس ذلك بمبطل لعقد النكاح، بل هو شرط باطل إذا جُعل في عقد النكاح، حيث أفتى من يتفق مع ذلك بأنه يصح العقد ويبطل الشرط ولا يجوز الالتزام به من قبَل أي طرف من الطرفين.

يبطل المذهب الشافعي حسب كتاب (الحاوي) للإمام الماوردي الشافعي عقد النكاح إذا تضمن شرط عدم الإنجاب، ويقر بذلك المذهب المالكي كما في (مختصر خليل) وشروحه، ولكنهم فصّلوا فقالوا: يفسخ العقد ما لم يتم الدخول، فإن حدث الدخول ثبت العقد وسقط الشرط. ويقول المذهب الحنفي في «الدر المختار» وحاشية ابن عابدين إن العقد يصح ويبطل يبطل الشرط، ولا يجوز الوفاءُ به.

أما المذهب الحنبلي كما في «المغني» لابن قدامة فيقول في مَعرض كلامه على ما يصح وما لا يصح من الشروط: «... ما يُبطِل الشرطَ ويُصِحُّ العقدَ، مثل أن يَشترط أنْ لا مهرَ لها، أو ألَّا يُنفِقَ عليها، أو إن أَصْدَقها رجَع عليها، أو تَشترط عليه ألَّا يَطَأَها، أو يَعزِل عنها، أو يَقسِمَ لها أقلَّ مِن قَسْمِ صاحبتها أو أكثرَ، أو لا يكون عندها في الجمعة إلا ليلةً، أو شرَط لها النهارَ دون الليل، أو شرَط على المرأة أن تُنفقَ عليه أو تُعطيه شيئًا، فهذه الشروط كلُّها باطلةٌ في نفسها؛ لأنها تُنافي مُقتضى العقد، ولأنها تتضمَّن إسقاطَ حقوقٍ تَجب بالعقد قبل انعقادِه، فلم يَصِحَّ، كما لو أسقَط الشفيعُ شُفعته قبل البيع، فأما العقد في نفسه فصحيحٌ؛ لأن هذه الشروطَ تعود إلى معنًى زائدٍ في العقد، لا يُشترط ذِكرُه، ولا يَضُرُّ الجهلُ به، فلم يُبطلْه».

فتوى ابن باز

كان رئيس هيئة كبار العلماء، مفتي عام المملكة الراحل الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، قد أفتى في هذه المسالة، قائلا: «لا يجوز للزوجين ما دامت المرأة قادرة على الإنجاب، فليس لهما ذلك، لأن الشريعة تريد من الناس العناية بالأولاد وتكثير الأمة، قول النبي صلى الله عليه وسلم «تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة، وفي لفظ الأنبياء»، ولأن في ذلك تكثير من يعبد الله من المسلمين، ولأن في ذلك أيضًا تكثير الأمة، حتى تكون الأقوى ضد أعدائها، فليس للرجل أن يدع الإنجاب خوفًا من تبعة المؤونة ومشقة النفقة، أو من أجل التلذذ بالمرأة ونحو ذلك، وليس للمرأة كذلك، بل عليهما أن يتعاطيا أسباب الذرية ويحرصا على أسباب الذرية حتى يكثرا الأمة، وحتى يحققا ما قاله النبي ﷺ، لكن متى وجد ضرر على المرأة، لأنها تتألم كثيرًا بسبب مرض في رحمها أو لأنها لا تلد إلا بعملية، فهذا عذر في عدم الإنجاب إذا كانت العملية تضرها ويخشى عليها منها، كذلك إذا كان الأولاد كثيرين، بأن تتابعوا في زمن متقارب وشق عليها التربية، فلا مانع من أن تأخذ بعض الحبوب أو بعض المانع، سنة أو سنتين مدة الرضاع حتى تقوى على التربية، وحتى تستعين بذلك على تربية الآخرين الجديدين».

اتفاق الزوجين

أما عضو هيئة كبار العلماء، الشيخ الدكتور عبدالله المطلق، فقال خلال إجابته على استفسار من أحد المستمعين عبر أثير إذاعة القرآن الكريم، حول مشروعية اشتراط الزوج على الزوجة عدم الإنجاب، أن «اتفاق الزوجين على عدم الإنجاب ليس مستحبًا شرعًا»، مشيرًا إلى إنه إذا تم الاتفاق على هذا الشرط في عقد الزواج، فإن على الزوجة الالتزام به، رغم أنه أمر غير مستحب شرعًا، مستشهدًا بالأحاديث النبوية التي تحث على التكاثر والإنجاب.

شرط فاسد

حول أحقية الزوج في منع زوجته من الإنجاب، وهل يجوز للزوجة مخالفته إذا منعها، قال إمام وخطيب جامع أبي أيوب الأنصاري في حي الأمير مشعل بنجران، الشيخ هلال بن أحمد رديف لـ«الوطن» "لا يجور للزوج أن يشترط منع زوجته من الإنجاب، كون هذا لا يتوافق مع الشرع، ولا مع العرف، أو مع العقل، حتى لو نُصّ عليه في عقد الزواج، وتم تسجيله كشرط بينهما، فإن هذا الشرط يعد فاسدًا لا يصح، فهو من الشروط الفاسدة التي لا يصح معها العقد، بمعنى لو اشترط هذا في العقد ووافقت المرأة ووافق أولياؤها، ثم تراجعت المرأة عن ذلك فهذا الشرط فاسد كأنه غير موجود، ولا يتفاوض معها لا في محاكم ولا في العرف ولا في شيء، فلو علمت المرأة أن زوجها عقيم قبل عقد النكاح فهي لن ترضى بهذا كزوج مهما كانت حالته المادية والاقتصادية، ومهما كانت منزلته الاجتماعية لن تقبل به، والمرأة لا تحتاج أن تتنصل أصلًا لأن هذا الشرط فاسد، وبما أنه كذلك فلا يترتب عليه حكم من الأحكام حتى لو وصل الخلاف إلى المحاكم الشرعية التي لن تنظر إلى مثل هذه الشروط، حيث سيؤكد القاضي ناظر القضية أن هذه الشروط فاسدة لا تقبل».

صحة العقد

أضاف رديف موضحًا «هناك مسألة أخرى، هي أن أهل زواج المسيار يشترطون شروط عدة منها عدم النفقة، وعدم الإنجاب، وعدم المساواة مع زوجته الأخرى، وهذه شروط فاسدة رغم صحة العقد مع تلك الشروط، لكن الزوجة غير ملزمة بتحقيقها أو العمل بها، وإنما هذه الشروط تعد صورية فيما بينهما فقط، ولا يصح منها شيء لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، كِتَابُ اللهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللهِ أَوْثَقُ»، لذلك فإن الأصل في عقد النكاح هي النفقة، والأصل فيه أيضًا العدل، والأصل فيه كذلك الإنجاب، أما الشروط التي تخالف التسوية في الزواجات، فكلها إن خالفت مقتضى العقد فلا يلزم أي من الزوجين العمل بها، فمثلا لو فرضنا أن الزوجة الثانية اشترطت على زوجها في العقد أن يبيت عندها 3 أيام، وعند زوجته الأولى يوم واحد، فالزوج غير ملزم بتحقيق هذا الشرط الفاسد رغم صحة عقد الزواج.

الرضا يجيز

عبر موقع البث المباشر لصفحة دار الإفتاء المصرية، أجاب أمين الفتوى في الدار الشيخ عبدالله العجمي على سؤال حول ما إن كان للزوج منع الزوجة من الحمل، موضحًا «لا يجوز له ذلك إلا إذا تراضيا على هذا الأمر لأن الحقوق متقابلة». أما مركز الأزهر العالمي للفتاوى الإلكترونية، فقرر أن «الإنجاب كما هو حق للزوج هو أيضا حق للزوجة، وقد اتفق الفقهاء على حرمة العزل عن الزوجة إلا بإذنها ورضاها، وعليه فلا يجوز للزوج أن يمنع زوجته من الإنجاب، ولكن يجوز لهما أن ينظِّما النسل؛ مراعاة لتربية الأولاد واهتماما بهم ومراعاة لصحة الأم، أما منع الإنجاب بالكلية فلا يجوز، إذ النسل مقصد من مقاصد النكاح، وغاية من غايات الشريعة الإسلامية».

أحكام اشتراط المنع من الإنجاب

1ـ المنع المؤقت

ـ يجوز الاتفاق على عدم الإنجاب لفترة مؤقتة

2ـ المنع الدائم

ـ المذهب الشافعي: يبطل عقد النكاح وشرط عدم الإنجاب

ـ المذهب المالكي: يبطل العقد قبل الدخول، وإن حدث الدخول ثبت العقد وسقط الشرط.

ـ المذهب الحنفي: العقد يصح ويبطل يبطل الشرط، ولا يجوز الوفاءُ به.

ـ المذهب الحنبلي: يبطل الشرط ويصح العقد

ـ الشيخ ابن باز: لا يجوز ما دامت المرأة قادرة على الإنجاب

ـ الشيخ الدكتور عبدالله المطلق: لا يستحب الاشتراط، لكن إن تم في عقد الزواج، فعلى الزوجة الالتزام به

ـ الشيخ هلال بن أحمد رديف: لا يجور الشرط لعدم توافقه مع الشرع والعرف والعقل، والشرط فاسد

أقوال في حكم اشتراط منع الإنجاب بعقد الزواج

- لا يجوز للزوجين ما دامت المرأة قادرة على الإنجاب

- تعذر المرأة عندما يشكل الإنجاب ضررا على صحتها

- إذا تم الاتفاق على هذا الشرط في عقد الزواج، فإن على الزوجة الإلتزام به

- منع الإنجاب من الشروط الفاسدة التي لا يصح معها العقد

- إن خالفت الشروط مقتضى العقد فلا يلزم الزوجين العمل بها