فيما يترقب العالم انتهاء جائحة كورونا «كوفيد - 19» مع ظهور اللقاحات التي تساعد على الوقاية من المرض، تتراجع حدة الإصابات في المملكة باستمرار، نتيجة لما قامت به السلطات السعودية من خطوات جادة ومسؤولة في مواجهة المرض، وما بذلته من جهود مضنية، وما قدمته من تضحيات جسام، حيث انعكست نتائج تلك الجهود في تناقص أعداد المصابين، وفي المقابل تزايد أعداد المتعافين بصورة كبيرة، وهو ما تؤكده الأرقام التي تصدرها السلطات الصحية المسؤولة يوميا.

وأثار إعلان المملكة عن تعاقدها مع عدة شركات عالمية، لتوفير اللقاحات خلال الفترة القليلة المقبلة الراحة والطمأنينة وسط الجميع، لا سيما بعد تأكيد أن اللقاح سيكون متوفرا بالمجان للجميع، مواطنين ومقيمين، امتدادا للنظرة الرحيمة، التي ظلت المملكة تتعامل بها خلال الجائحة، انطلاقا من تعاليم الإسلام السمحة وروحه الخيرة.

ولأن كل كارثة أو نازلة لا تخلو من جانب إيجابي، كما يؤكد نهج الإسلام في قول الله تعالى في محكم تنزيله «وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم»، وقوله عليه أفضل الصلاة والسلام «عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له». فإن الحكمة تقتضي النظر إلى جائحة كورونا من منظور مغاير واستيعاب العبر والدروس.

أكبر الفوائد التي يمكن استخلاصها يتمثل في التقارب الأسري الشديد، الذي شهده مجتمعنا نتيجة لعزوف الكثيرين عن الخروج والسهر خارج المنازل، إلى أوقات متأخرة من الليل في المقاهي والاستراحات، فالكثيرون أشاروا إلى حدوث تقارب أسري كبير أسفر عن أجواء حميمية، انعكست إيجابا على نفسيات الأبناء والأزواج وأسعدتهم وهم يشاهدون آباءهم بجانبهم، يشاركونهم اهتماماتهم ويسهمون في حل مشكلاتهم.

لم تقتصر المكاسب الاجتماعية على التقارب الأسري فقط، بل امتدت لتشمل تغيير الكثير من العادات الغذائية غير الصحية، وتقليل الاعتماد على الوجبات الجاهزة، خوفا من عدم التزام المطاعم والمحلات بمعايير النظافة، مما دفع كثيرا من الأسر إلى الاتجاه للاعتماد على طبخ الأكل في المنازل، بدلا عن التعامل مع تلك المحلات، ولا يخفى ما لذلك من آثار إيجابية سواء على ميزانية الأسر، أو دعم جهود محاربة السمنة المتفشية وسط أفراد المجتمع.

ولأن مخاطر المرض وآثاره السالبة تتضاعف على المدخنين، فقد أقلع الكثيرون عن تلك العادة السيئة، باعتبارها من عوامل مضاعفة فرص الإصابة بالمرض، وهو ما ثبت خلال الفترة الماضية، حيث أعلن كثير من المدخنين على وسائل التواصل الاجتماعي إقلاعهم عن التدخين.

كذلك من الجوانب الصحية التي أرى أنها في غاية الأهمية، زيادة الوعي الصحي لدى أفراد المجتمع بأهمية النظافة والتعقيم، واتباع الأساليب التي تمنع انتشار الأمراض وتوالد الفيروسات. والاهتمام بوسائل النظافة، واكتساب ثقافة تتماشى مع متطلبات العصر الذي نعيشه. كذلك فإن المؤسسات الصحية والطبية وجدت نفسها أمام فرصة تاريخية، لزيادة قدراتها وخبراتها في مواجهة أي فيروسات أو تهديد صحي يظهر مستقبلا، وإعادة ترتيب أوضاعها ومراجعة الإجراءات التي تتبعها في الأوضاع المماثلة.

هناك فوائد اقتصادية كثيرة يمكن استخلاصها، رغم أن الأزمة تسببت في تكبيد الاقتصاد العالمي والوطني خسائر فادحة، جراء الإغلاق الذي فُرض على القطاعين العام والخاص. لكن من الفوائد التي ينتظر تحقيقها خلال الفترة المقبلة توفير عشرات المليارات من الريالات، التي كان ينفقها السياح السعوديون سنويا في الخارج، وذلك بعد إغلاق مطارات كثير من الدول وتعذر السفر إليها خشية الإصابة بالأمراض، وهذه الأموال الطائلة لا شك أضيفت إلى الدورة النقدية وزادت من كمية السيولة المتداولة داخل البلاد، مما سينعكس إيجابا على زيادة القدرة الشرائية، وانتعاش الأسواق الداخلية.

أما أكبر الفوائد وأكثرها تأثيرا فهو زيادة اللُحمة الوطنية بين أبناء هذه البلاد المباركة، وتعزيز انتمائهم لوطنهم، بعد أن رأوا بأعينهم كيف أن قيادتهم الحكيمة الرشيدة تهتم لأمرهم، وتقدم مصالحهم على كل ما سواها، وتبذل الغالي والنفيس لضمان سلامتهم وصيانة أرواحهم، وتنفق في سبيل ذلك مئات المليارات دون تردد، وتضع الخطط العملية الكفيلة بالتصدي للأزمة.

وكم كانت فرحة السعوديين وغبطتهم، وهم يستمعون إلى كلمات والدهم وقائد ركبهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - وهو يلقي كلماته الأبوية الحنونة على مسامعهم خلال الأزمة، مطمئنا وباعثا للأمل ومطالبا بالالتزام بالاشتراطات الصحية، ومجددا ثقته في وعي شعبه وقدرته على تجاوز هذه الظروف الصعبة.

أما حرص القيادة السعودية على مصلحة البشرية جمعاء، والذي تجلى في مساعيها الدؤوبة لمساعدة الدول الأشد احتياجا، خلال رئاستها لقمة مجموعة دول العشرين، فقد كان حديث العالم أجمع، واستوجب شهادة المنصفين، حيث طالبت بتخفيف أعباء الديون على تلك الدول، وحشدت الدول الكبرى لرصد مبالغ طائلة للتصدي للفيروس المميت، وتبرعت بعشرات الملايين من الدولارات لمراكز البحوث العالمية، لإيجاد اللقاح الآمن الذي يقهر المرض، مما أثبت مجددا استحقاقها للقب مملكة الإنسانية.

سنخرج بإذن الله من الأزمة ونحن أشد قوة وصلابة، وأكثر تصميما على بلوغ أهدافنا المشروعة، مدججين بخبرة تراكمية كبيرة لمواجهة الآفات والنوازل والجوائح. ولا ننسى في هذه السانحة تقديم الشكر لكتائب الجيش الأبيض من الأطباء والممرضين والأطقم الطبية، الذين قاموا بالدور المطلوب منهم على أكمل وجه، وقدموا تضحيات جساما، ولرجال الأمن الذين قضوا الساعات الطوال لمراقبة تنفيذ التعليمات، رافعين أكف الضراعة لكل من توفاهم الله بالمرض، سائلين لهم القبول والرحمة، وأن يتقبلهم الله في مستقر رحمته، إنه سميع مجيب.