تسارعت خطوات جميع الأطراف اليمنية نحو تنفيذ اتفاق الرياض بعد نجاح الجهود التي بذلتها المملكة لجمع الأشقاء على مائدة الحوار، وإقناعهم بالسعي الحثيث لتنفيذ بنود الاتفاق، وتنحية خلافاتهم الصغيرة جانبا، والتفرغ لمواجهة عدوهم المشترك المتمثل في جماعة الحوثيين الانقلابية التي استولت على السلطة بغير وجه حق، وعاثت في الأرض فسادًا، ولم تترك أيا من أوجه الحياة إلا ودمرته، حتى كادت أن تورد مهد العروبة موارد الهلاك.

لم تتورع الجماعة المتمردة عن تدمير اليمن، ورهنه بكل تاريخه لسادتها في طهران، والاعتداء على أموال الناس وأرواحهم، والمغامرة بمستقبل أجيالهم، بعد أن ارتضت لنفسها القيام بدور العمالة والخيانة، وأصبحت مجرد ورقة ضغط يستخدمها نظام الملالي لتنفيذ أجندته غير المشروعة، ويساوم بها لتحقيق أهدافه التي يتفق العالم أجمع على رفضها وعدم تمريرها. ولتحقيق تلك الأهداف لم يجد نظام الملالي وأذياله بدا من محاولة شق الصف الوطني لليمنيين، وإضعاف وحدتهم، وتفريق كلمتهم، بعد أن استعان بعناصر تتبع لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، وبوسائل إعلام مأجورة بذلت جهدها لبث الفتنة وزرع بذور الخلاف بين جميع المكونات اليمنية، وترديد الأكاذيب والترهات، واختلاق الخلافات التي تسببت في تشتيت الجهود وزعزعة الصفوف وصرف الأنظار عن الهدف الرئيسي الذي ينبغي أن يتوحد حوله الجميع. وأدركت المملكة منذ البداية أبعاد هذا المخطط الإجرامي الخبيث، ووجهت كل جهودها واستنفرت قواها الدبلوماسية ووظفت علاقاتها الدولية لمساعدة اليمنيين على إفشاله، انطلاقًا من واجب الجوار التاريخي الذي يجمعها باليمن، وقياما بدورها الأخلاقي في مد يد العون للإخوة والأشقاء، ونجحت تلك الجهود في التوصل إلى اتفاق الرياض الذي جرى توقيعه بالعاصمة السعودية في الخامس من نوفمبر من العام الماضي بحضور إقليمي حاشد وحظي بمباركة دولية واسعة، بعد أن جمعت كافة أطراف الأزمة في مائدة الحوار، وهيأت لهم الأجواء لمناقشة قضاياهم بأنفسهم، دون تدخل من أحد.

أفلحت تلك الوساطة الحميدة في وضع حلول مرضية للجميع، وكان المأمول أن يتم تنفيذ الاتفاق حسب جداول زمنية محددة، إلا أن ذلك لم يحدث للأسف الشديد نتيجة الانشغال بقضايا جانبية كان من الممكن تأجيلها والتفاوض حولها فيما بعد. ورغم ذلك لم تيأس الدبلوماسية السعودية وأعادت الكرة من جديد حتى تم الاتفاق على الترتيبات الأمنية وتشكيل حكومة كفاءات موحدة مناصفة بين الحكومة الشرعية التي يقودها الرئيس عبد ربه منصور هادي والمجلس الانتقالي، وهو ما حدث بالأمس القريب، ليخطو اليمن خطوة كبيرة نحو الانعتاق من الميليشيات التي جثمت على صدور أبنائه وأصبحت كابوسًا يهدد مستقبل بلادهم.

الآن يكتب اليمنيون فصلًا جديدًا من تاريخ بلادهم، عنوانه التسامي فوق الخلافات الصغيرة والسعي الحثيث لإنقاذ وطنهم من مستقبل مجهول يحيط به من جميع الجهات، بعد أن أصبح ساحة لعملاء إيران وميليشياتها الطائفية المدمرة، وبات محط أنظار العالم بما يمثله من تهديد للسلم والأمن الإقليميين ولحركة التجارة العالمية جراء العبث الإيراني بالممرات المائية وزرع الألغام البحرية.

ومما يبعث على الارتياح أن أكبر العقبات وأبرز نقاط الاختلاف بين الجانبين قد تمت تسويتها، حيث أعلن تحالف دعم الشرعية استيفاء كل الترتيبات وإنجاز الشق العسكري والأمني المتمثل في الفصل بين القوات وتوجيهها نحو مناطق العمليات، ومساعدة القوات الأمنية المختلفة للقيام بمهامها على الوجه الذي تم الاتفاق عليه، كما تم تشكيل الحكومة المشتركة، ودخل الاتفاق حيز التنفيذ الفعلي.

وكان لافتًا أنه بمجرد الانتهاء من الخطوات السابقة بدأت بوادر البشريات تلوح، حيث ارتفعت قيمة العملة الوطنية بشكل ملحوظ، وتحسن سعر صرف الريال اليمني ووصل إلى مستويات لم يعهدها منذ زمن طويل، وهذه بداية الغيث كما يشير إلى ذلك كثير من المحللين الاقتصاديين.

لذلك فإن المطلوب هو التحلي بفضيلة الصبر، والتمسك بالثوابت الوطنية التي لا خلاف عليها، والإصرار على بلوغ الغايات العليا، مهما ظهرت الخلافات الصغيرة والتباين في وجهات النظر، فهي ظاهرة طبيعية لا ينبغي أن تكون سببًا في حدوث الانشقاقات وتصدع الجبهة الداخلية، وكلي ثقة في أن أبناء اليمن - بما عرف عنهم على مدار التاريخ من حكمة - قادرون على تغليب مصلحة بلادهم، لاسيما بعد أن بلغت الأزمة ذروتها، ووصلت حدود المعاناة إلى آفاق لم يكن أكثر المتشائمين يتوقعها.

تبقت فقط المهمة الأكبر والأهم وهي تسريع الجهود العسكرية لوضع حد لسيطرة الحوثيين، وطرد المرتزقة الذين استجلبتهم إيران، والتخلص من الميليشيات الطائفية التي تقاتل إلى جانب المتمردين، ومن الأهمية بمكان عدم الإصغاء إلى الأصوات النشاز التي سوف ترتفع حتما للمطالبة بوقف العمليات العسكرية، وهو ما ظللنا نشهده خلال الفترة الماضية، حيث لا تظهر تلك الأصوات إلا مع تقدم المقاومة الشعبية والقوات المؤيدة للشرعية للمناداة بوقف القتال والبحث عن حلول سياسية وهو ما أثبتت الأيام عدم جدواه. أؤكد في الختام ما ظللت أكرره من أن اليمن يتعرض إلى مؤامرة رهيبة تشارك فيها قوى متعددة تريد إلحاقه بمحور الشر الإيراني، ووجدت ضالتها في هذه الجماعة الإرهابية التي لا تتمتع بأي قبول ولا تحظى بالتأييد ولا تستند إلى أي إرث سياسي أو اجتماعي، إنما هي عبارة عن فلول متمردة خارجة على القانون، ولا سبيل للخلاص منها إلا عبر توحيد القوى العسكرية الوطنية وتوجيهها لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي تقضي بإعادة الحكومة الشرعية، وعندها فقط يمكن للجميع أن يجلسوا إلى مائدة التفاوض وينال كل طرف حقوقه حسب حجمه الطبيعي وتمثيله على الأرض، بالقانون فقط وليس بشريعة الغاب أو منطق القوة.