الزواج هو بوابة الحياة الحقيقية لرجل وامرأة يربطهما رباط الزواج المقدس الذي جعله الله أساس تكوين الأسرة، التي تعتبر النواة في نشوء المجتمعات وأساس استمرارها، لذا فلا بد أن نضع تفاصيل هذه الشراكة الأسرية التي ستكون أساس البناء الاجتماعي السليم للمجتمع تحت بؤرة اهتمام فوق العادة، حتى نكفل لها بعد توفيق الله النجاح بما يضمن عدم تصدع أساساتها وأركانها الأسرية تحت ضغط عثرات الحياة ومخاطرها.

باعتقادي أن أولى صعوبات هذا الارتباط هي اختيار الشريك، بحيث يكون هذا الاختيار مبنياً على توافقات عقلية وفكرية وعاطفية هي الأهم من أي توافقات أخرى يجب أن نبني عليها أساسات البيت الصغير، الذي سيكبر بنتاج هذا الزواج، ليكون بيئة سليمة لمخرجات بشرية بفكر وعطاء، وعملا يصلح لبناء مجتمع صالح ووطن قوي.

وبمقارنة بسيطة بين اختيار شريك الحياة بين الأمس واليوم، نجد أن الاختيار من قبل كان بالإنابة، حيث تبحث الأم لابنها عن عروس بمواصفات غالبا ما تكون شكلية، وبين الأب الذي ما إن يتقدم خاطب لابنته حتى يتولى السؤال عن أخلاقياته وأصله وفصله ودخله، دون تطرق تلك الأم وذلك الأب للبحث في تفاصيل الشخصية والتكوين النفسي للطرف الآخر. هذه الخيارات التقليدية كانت ناجحة بامتياز في زمن الأجداد والآباء، لأن ثقافة المجتمع في ذلك الوقت كانت توائم تقليدية طريقة الاختيار هذه، ولكن مع بدايات الانفتاح على المجتمعات الأخرى والاتساع في محيط الثقافة والتعليم الذي عاشه جيل بداية السبعينات الميلادية، خاصة عند النساء، مع استمرار التقليدية في اختيار الشريك، فإن كثيرا من الشراكات الزوجية تصاب بانهيارات أسرية، إما أن تنتهي بالطلاق الصريح أو الطلاق العاطفي المستتر داخل بيوت قائمة الأركان متصدعة الأساسات، وهذا واقع تشهد عليه أروقة المحاكم لمن امتلك الجرأة لتصحيح مسار حياته. أما جيل الأبناء فهو أكثر مرونة، بحيث أصبح الوضع مع انفتاح المجتمعات يسمح بمجالات لقاءات محترمة جدا بين الشباب والفتيات داخل دائرة العمل ومجالاته المتعددة، تجعل التوافق الفكري والانجذاب الذي يمكن أن يكون أساسا لبناء حياة مستقبلية متاحا أكثر من ذي قبل وبشكل كبير.

اختلاف الأجيال وتباين الثقافات في مجتمعنا يجعلان كل ما سبق ما زال صالحا ليكون مجالا يبنى عليه الاختيار. ومع ذلك يجب أن نؤمن بأن الزواج بين الماضي والحاضر تغير كثيرا، أهدافه، اختيار الشريك، السن المناسبة للزواج، أساس بنائه وسبل المحافظة على جدرانه التي يجب أن تحضن أسرة سعيدة، أصبح يحتاج إلى تحديث ثقافة مجتمعية من خلال زيادة الوعي بالمتغيرات ومتطلبات الجيل الحالي، بالإضافة إلى مزيد من التشريعات التي تكفل سلاسة الحياة الأسرية، مع ضمان حقوق كل طرف حين نشوء خلاف مهما اختلفت الثقافة المجتمعية أو الطريقة التي قامت على أساسها تفاصيل هذا الزواج. لن أخوض كثيراً في هذه التفاصيل، ولكني سأركز فيما تبقى لي من مساحة في هذا المقال، على الحديث عن آلية تنظيمية تكفل للزوجين والأبناء حياة آمنة مطمئنة، وما يشجعني على ذلك ما أراه ولمسته شخصيا من تطور الأنظمة المتعلقة بقضايا الطلاق لحفظ حقوق جميع الأطراف دون تعنت أو عبث، وهذا ما يجعلني أتشجع للحديث عن اقتراح لكيف ننظم إجراءات الزواج ونحفظها من كل تداعيات تفسد جوهر العلاقة ورقيها. اقتراحي قد أخطئ أو أصيب فيه، ولكنه من باب الفرح الذي أراه من تشريعات تضع سلامة الأسرة من أهم الأولويات.

نعرف أن هناك فحص ما قبل العقد لأجل المحافظة على سلامة النسل فيما بعد، وهذا حد من مشاكل عدة لا ذنب للزوجين فيها، ولكن الأولاد هم من يدفعون ثمنها.

وكما جنبنا الكشف الصحي المتعلق بالأمراض الجسمانية الوراثية كوارث صحية كثيرة، فإن الكشف النفسي لا يقل عنه أهمية لأنه سيجنبنا جرائم لا يمكن أن يطالها القانون قد تمس أحد طرفي الزواج وأطفالهم.

أيضا الوضوح فيما يتعلق بالأمور المادية، حتى يعرف كل طرف ما ينتظره مع رفيق العمر، ليكون اختياره بقناعة تامة مبنية على علم كامل بظروف الطرف الآخر، غير خاضعة للمفاجأة، فكم من شابة راهنت على حياة آمنة، فوجدت بعد الزواج أن شريكها مكبل بكفالات وديون قد تهدد حياتها معه.

أيضا لا يجب أن نغفل عن تفعيل دور العيادات الاجتماعية والتي تختلف عن النفسية، والقادرة على حل مشكلات بعد الزواج الناتجة عن التحولات الفكرية التي تصاحب كل مرحلة من العمر بما لا يؤثر في متانة العلاقة الزوجية والأسرية. هذه العيادات أو المراكز يمكن أن تخول لمنح صلاحيات معينة تقيم إذا احتاج الأمر مدى صلاحية هذا الزواج من عدمها، ويكون لها ارتباط مع المحاكم فيما يتعلق بقضايا الطلاق.

قائمة طويلة يحتاج كل طرف أن يحيط بها علما قبل توثيق الميثاق الغليظ، حتى تكون البداية عل أساس سليم يستمر عمراً من نجاح بأمر الله.