لا يبدو ذكر «سوق حباشة» غريبا عن المسامع حين يأتي عليه الحديث، فثمة اتفاق على أنها كانت سوقا موسمية تنطلق في أول رجب من كل عام، وتستمر لـ8 أيام على أرجح الأقوال، وتعد من أسواق العرب الجاهلية، وتعد أنها أقدم من سوق عكاظ، وقد سبقتها بخمسة أشهر، لكن تحديد موقعها على نحو قطعي، ما يزال مثار اهتمام حتى شكلت لجنة قبل أكثر من عام لهذه الغاية، حسب ما أكده مدير فرع وزارة السياحة في عسير عبدالعزيز الغانم، الذي قال «شُكلت لجنة منذ أكثر من سنة للتأكد من سوق حباشة، من ناحية موقعها، والمعلومات التاريخية حولها بشكل عام».

وتوضح مصادر تاريخية أن السوق التي دُمرت، بدأت في الجاهلية، واستمرت عهدا طويلا لامس القرنين بعد صدور الإسلام.

وكانت سوق حباشة عند ظهور الإسلام مزدهرة، حيث زارها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، وكانت تقام في بلاد بارق في تهامة، حيث كانت تتوسط الحواضر والممالك القديمة، كما تتوسط بين مكة المكرمة واليمن.

سبب التسمية

سميت السوق باسم «سوق حباشة»، نسبة إلى اجتماع الناس فيها من قبائل شتى، وكان لها ما لأسواق العرب القديمة الكبيرة من شأن ثقافي واجتماعي واقتصادي، مثل أسواق مجنة وذي المجاز وعكاظ.

ولأهمية هذه السوق كانت مقصداً تمر بها قوافل قريش في فصل الشتاء في رحلتها الشتوية، فيأتي تجار قريش بمنتجاتهم من الشام ومصر، ويتاجرون بها مقابل تجارات أهل اليمن وأهل تهامة والسراة، فيقايضون ويبتاعون منهم، ويكمن دور السوق الثقافي في اجتماع وفود من قبائل شتى تقصد السوق التي كانت مركزا للأفكار والثقافات، ومنبرا لتناقل الأخبار والأحداث، وإعلان المواسم والمناسبات.

المعلوم والمجهول

يذكر نائب رئيس المجلس البلدي محمد علي جابر البارقي، أن سوق حباشة التاريخية، تعد من المعالم الأثرية، وقد تاجر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فيها بيعاً وشراء لصالح السيدة خديجة قبل البعثة النبوية.

وأوضح أن السوق سميت بحباشة لأنها كانت تضم أخلاطاً شتى ممن كانوا يقصدونها قديماً من مختلف القبائل للمتاجرة أو التقاضي وفض النزاعات.

وبين أن «السوق لا تزال تحتوي على بعض المعالم الأثرية الشاهدة على حقبة ومحطة تجارية عرفها العرب في الجاهلية والإسلام، كقبور المشركين التي تتجمع عليها أكوام الحصى والنقوش الأثرية على الحجارة وبقايا الرحى التي كانت تستخدم في طحن الذهب».

وأوضح أن أمير منطقة عسير الأمير تركي بن طلال، وجه بعد عيد الفطر المبارك 1440هـ لعقد اجتماع، يضم عددا من مثقفي ومؤرخي محافظة بارق ومنطقة مكة المكرمة، لمناقشة تاريخ سوق حباشة وتحديد الموقع، وذلك بحضور مندوبين من دارة الملك عبدالعزيز ووزارة السياحة (هيئة السياحة والآثار حينئذ).

وتابع «سيعقد الاجتماع في بارق على أن يتم إحضار الدلائل والشواهد التي تثبت موقع السوق من الجهتين، ومعالم السوق حاضرة، ووضع عليها سياج عازل لحفظ حق الأثر، ونتمنى أن تنجز اللجنة الأمر، وتحفظ حق محافظة بارق به لوجود الشواهد على وجوده، وبعضها ذكرها المورخون»، ومنهم الدكتور سعد الماضي مؤلف «سوق حباشة»، حيث تناول عدة نقاط من ضمنها موقعه الجغرافي في بلاد بارق، وبيّن أهم معالم السوق وأيامه، بعد ذلك أوضح بقراءة عن كتاب الرسول صلّى الله عليه وسلم عن بارق، كما ذكر موازنة بيّن فيها عدداً من النقاط وذكر خلاصة أقوال الباحثين من العصور الماضية إلى عصرنا الحديث عن السوق.

أهميتها

تكتسب سوق حباشة أهميتها من عوامل عدة تمنحها التميز، وهي:

أولا: أنها سوق جاهلية، استمرت إلى نهاية القرن الثاني الهجري 197 للهجرة.

ثانيا: تعد أحد أقدم أسواق العرب نشأةً، حيث سبق حتى سوق عكاظ الشهيرة، وكان آخرها خرابا.

ثالثا: شهدت حضور عدد من أشهر الشخصيات العربية والإسلامية، ولعل أهم أحداثها زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم لها قبل البعثة النبوية أثناء متاجرته للسيدة خديجة، وكذلك حضور الشاعر الشنفرى، والعثور عليه في السوق، كما زارها حكيم بن حزام رضي الله عنه، وآخر ملوك الجراهمة مضاض الجرهمي، والشاعر كثير عزة وغيرهم.

رابعا: وقوعها على طريق رحلة قريش الشتوية إلى اليمن، إذ وافق انعقادها فصل الشتاء، وذلك يُستنتج من حضور الرسول صلى الله عليه وسلم فيها، ومن فرض الأزد الأتاوة على عير قريش بعد قتلهم أبي أزيهر الدوسي، ومن رواية الواقدي عن بعض ولد حكيم عن أبيهم أنه كان يحضر أسواق تهامة، ومنها سوق حباشة وشرائه منها.

كل هذا يدل على مرور رحلة قريش الشتوية بسوق حباشة، وحتى إن لم تكن رحلة قريش تمر به فقد ثبت اتصال تجار قريش بهذه السوق، وذلك ما ذكر في قصة إرسال السيدة خديجة للرسول إلى سوق حباشة، وشراء حكيم بن حزام منه.

وكذلك ما ذكره ابن سعد في (الطبقات) عن محمد بن عمر عن معمر عن الزهري عن عروة قال «كان حكيم رجلا تاجرا لا يدع سوقا بمكة ولا تهامة إلا حضرها، وكان يقول: كان بتهامة أسواق، أعظمها سوق حباشة، وهي ثماني مراحل من مكة طريق الجند، فكنت أحضرها، وقد رأيت رسول الله حضرها، فاشتريت بها بزا فقدمت به مكة..».

خامسا: في عصرنا الحديث تكمن أهميتها عند إحيائها بأنها ستشكل تظاهرة ثقافية وحضارية واقتصادية، وستثير إعادة افتتاحها حراكا ثقافيا عالي المستوى، وتحقق نموا اقتصاديا، وتتحول إلى واجهة حضارية جاذبة للسياح والزوار.

سادسا: قد تعد في عسير وجهة سياحية مستدامة طوال العام، فهي تقع في محافظة بارق في الشطر التهامي من منطقة عسير، وفيها تزدهر السياحة الشتوية لاعتدال الأجواء فيها شتاء، كما يمكنها أن تلعب دورا حيويا رائدا في التنمية السياحية في تهامة بارق حال إقرار إحيائها وفق الدراسة العلمية والتاريخية، ودراسة الجدوى، ووفق ما ترسم له الجهات المختصة.

خرابها

دمرت سوق حباشة وانتهت على إثر تخريبها على يد داوود بن عيسى والي مكة في نهاية القرن الثاني الهجري 197 للهجرة، في عهد الفترة العباسية، حيث أرسل جنوده لتخريب السوق بسبب قتل الأزد والياً له من قبيلة غنى.

وكان من عادة ولاة مكة أن يخرجوا بجنودهم إلى هذه السوق في رجب - وهذا دليل على أهمية هذه السوق - فيقيمون بها ثمانية أيام من أول رجب، واستمر هذا الحال حتى قتلت الأزد الوالي، فأشار رجال مكة على واليها آنذاك داود بن عيسى القرشي بتخريب السوق، فجهز لهم حملة كبيرة، وهاجمهم ودمر السوق وخربها وقضى عليها، وتركت معطلة حتى اليوم، فلم يعد لحباشة ذكرٌ منذ خرابها سنة 197 للهجرة.

تفعيل محرك

سيشكل تفعيل سوق حباشة إضافة مهمة إلى الحركة الثقافية والاقتصادية والسياحية في منطقة عسير خاصة، والمملكة على وجه العموم، وذلك لما تمثله هذه الأسواق التاريخية من قيمة حضارية وثقافية، كونها تبرز حضارة وثقافة البلاد، ولما سيدور فيها بعد تفعيلها من لقاءات علمية وندوات ومحاضرات ولقاءات ثقافية متعددة وأنشطة تراثية وتجارية، تعكس استمرارية وتطور الثقافة العربية المتوارثة عبر الأجيال والقرون، وتؤكد على حضارة البلاد وسكانها وتقدمهم، كما أن من شأن هذه الأسواق التاريخية، تحفيز المبدعين وإخراج المواهب الأدبية والعلمية.

وسينشط تفعيل سوق حباشة الحركة السياحية والاقتصادية في منطقة عسير، وسيسهم في جذب أرباب المهن الحرفية واليدوية لمعاودة نشاطهم القديم في أجواء مشبعة بالتراث ومشاهد الحياة القديمة التي تعين أرباب المهن على خلق مصدر رزق لهم، وتحافظ على ديمومة هذه المهن التي تكاد أن تنقرض.

سوق حباشة

سوق قديمة من أسواق العرب الجاهلية

سميت حباشة لاجتماع الناس فيها من قبائل شتى

سبقت سوق عكاظ في التأسيس

موقعها غير محدد على وجع قطعي

تقع في محافظة بارق

دمرت عام 197 للهجرة

كانت مزدهرة عند ظهور الإسلام

زارها الرسول صلى الله عليه وسلم وتاجر فيها لصالح السيدة خديجة

كانت لها شأن ثقافي واجتماعي واقتصادي

كانت مقصداً تمر به قوافل قريش في فصل الشتاء

تحتوي على بعض المعالم الأثرية

معالم سوق حباشة التاريخية

قبور للمشركين

تتجمع عليها أكوام الحصى والنقوش الأثرية

تنتشر فيها بقايا الرحى التي كانت تستخدم في طحن الذهب