وصل سعر الوحدة من «البيتكوين» لما يقارب 92 ألف ريال، مرتفعا من 18 ألفا في بداية أزمة «كورونا» هذا العام، ومن ألف ريال في 2016، أي بارتفاع يقارب 9100% خلال 5 سنوات!.

السؤال: هل يجعل ذلك العملة الرقمية استثمارا جيدا؟ وهل «البيتكوين» في الأصل سلعة أم عملة؟.

بدأت «البيتكوين» في 2008 عن طريق شخصية مجهولة، تدعى «ساتوشي ناكاموتو»، وإلى اليوم لم يظهر شخص للعلن يثبت أنه «ساتوشي»، وهو ما أضاف بعض الهالة الغامضة على أصل «البيتكوين». أضف إلى هذا أن بعض الأبحاث تشير إلى أن «ساتوشي» يمتلك ما يقارب مليون وحدة بيتكوين، مما يجعله على قائمة أثرى الأشخاص على وجه الكرة الأرضية، إن صحة الأبحاث، لكن لا أحد يعلم من هو ساتوشي ناكاموتو؟ وكم يمتلك على وجه الدقة؟ وهذا جزء من غموض «البيتكوين».

تقوم فكرة «البيتكوين» على اللامركزية، فلا يوجد لها مشرع مثل بنك مركزي، والتعامل فيها يكون دون وجود هيئة وسيطة تنظم هذه التعاملات، حيث تذهب «البيتكوين» من حساب مستخدم إلى آخر بشكل فوري دون المرور عبر أي مصارف أو أي جهات وسيطة، ودون الحاجة إلى أن تعرف اسمه أو بلده أو أي شيء شخصي عنه، يكفي أن تعلم فقط رقم محفظته الرقمية، لترسل له «البيتكوين»، وهو رقم يمكن أن ترسله برسالة نصية أو تكتبه على أي ورقة، لكن إن خسرت الوصول إلى المحفظة فقد خسرت كل ما تملكه فيها، لأنه لا توجد جهة تعيده لك.

طريقة توليد العملة تعتمد على استخدام معالجات، للقيام بعمليات رياضية معقدة من أجل توليد عملات جديدة، وهو ما يشبهه البعض بالبحث عن الذهب، وهي عملية تحتاج وجود تلك المعالجات وبرنامج لتشغيلها، وكهرباء إذا أردنا تبسيط الشرح.

إذا هل يمكن ادعاء ما يسمى «الإنفاق المضاعف» (double spending) أو أنك تملك أكثر مما لديك في الحقيقة؟ هذا غير ممكن، لأن هذه المعاملات تسجل عن طريق الآلاف من الأشخاص الذين يتسابقون لتسجيلها من أجل الحصول على عمولة التسجيل، بالإضافة إلى أن «البيتكوين» تقنيا مبنية على سلسلة من المعلومات التي تبني التعاملات الجديدة على البيانات السابقة، فكيف تدعي أنك تملك مبلغا ولا يوجد سجل سابق يقول إنك تملكته أصلا؟، وهذا السجل ليس لدى جهة وحدة بل لدى آلاف الأشخاص الذي يقومون بذلك، كم أشرنا، وهو ما يجعل «البيتكوين» تملك ميزة مقابل بنك مركزي يحتاج حفظ البيانات بطريقة تمنع فقدانها، لأنه الوحيد المسؤول عن تحديد ما يمتلكه الأفراد في أى الدولة.

نعود للسؤال: هل هذا يجعل من «البيتكوين» سلعة مثل الذهب أو عملة مثل الريال والدولار؟. إذا كانت سلعة فهي لا تستخدم كمادة في الإنتاج مثل النفط أو النحاس أو الذرة أو غيره من السلع المعروفة، وليست شيئا يعتمد على المصادر الطبيعية للأرض، وإذا كانت عملة فلماذا يرتفع سعرها؟ وعلى أي اقتصاد نعتمد لتحديد سعرها؟ وهل هناك اقتصاد ينمو بنسبة نمو «البيتكوين» نفسها، لنستطيع تبرير ارتفاعها؟.

هنالك نقاش كبير لدى المشرعين حول هذه الموضوع، ليستطيعوا إعطاءها التشريع الأنسب كسلعة أو عملة، وإذا أضفنا لذلك أن هناك 60 عملة أو سلعة (سمها ما شئت) تقارب «البيتكوين» في نقاط وتختلف عنها في نقاط، عرفت حيرة المشرعين الماليين، وإن كان أغلبهم يميل إلى أنها أقرب للسلعة، لذا إن أردت أن تحاول فهم «البيتكوين» فتخيلها سلعة مثل برميل النفط، لكنها ولدت من العدم وليس من باطن الأرض.

إذا يبقى السؤال: هل هي استثمار جيد؟ نعم ارتفعت ما يقارب 9100% خلال 5 سنوات، وأوجدت أثرياء جدد، لكن لا أحد يعلم ما القيمة الحقيقية لـ«البيتكوين»!.

واختلفت الآراء بين شخص يعتقد أنها تساوي «صفر»، لأنها ولدت من العدم، وشخص يحسب كم من الكهرباء نحتاج لتوليد «البيتكوين» ليحدد السعر، وبين شخص ثالث يدفع ما يقارب 100 ألف ريال لشراء شيء على أمل أن يرتفع قيمته، ليبيعه إلى غيره، ولن تجد اتفاق.

العملة الرقمية ستكون جزءا من المستقبل، لكن ليس هذا هو سبب الحقيقي لارتفاع «البيتكوين» أخيرا، وإن كان البنك المركزي الأمريكي أسهم في هذا الارتفاع حين طبع هذه العام كمية غير مسبوقة من الدولارات، وخلق حالة من الخوف من التضخم، بل السبب الحقيقي هو السبب نفسه الذي يجعل النظام المالي العالمي يتعرض للأزمات كل عقد تقريبا!. الجواب هو مجموعة عوامل اقتصادية يقودها جشع الإنسان الذي لا يتغير، وخوفه المستمر من فوات الربح!!، وهما من نقاط ضعف الإنسان التي لم ولن تتغير.