الليلة يسدل الستار على أحد أغرب الأعوام في العصر الحديث. كائن صغير لا يرى، يقلب العالم رأساً على عقب، امتدت آثاره لتشمل مظاهر الحياة كافة. عام كان فيه الحفاظ على سلامة وصحة الناس أعظم غايات الأمم، ظهرت فيه قيمة الإنسان بالنسبة للأمم، فالأقوال تنفيها وتثبتها الأفعال، سقطت شعارات وحضارات، ولمعت أوطان ونجحت في حمايتها للإنسان.

بدأ العام بأخبار عن ظهور مرض غريب في أقصى الشرق، مع تطمينات للمنظمة بأن الأمور تحت السيطرة، لم يلبث أن ينقضي الشهر الأول من العام، إلا وبدأ الفيروس يضرب دول الشرق كافة، وينتقل بعدها كالنار في الهشيم، ليصل لمعظم أصقاع الأرض والناس ما بين مصدق ومشكك. وظهر التباين في التعامل مع هذا الوباء، فدول فضلت التجاهل والانتظار، وأخرى فضلت السلامة والسرعة في تطبيق إجراءات مشددة، من إغلاق وضبط للحدود وفرض لبعض القيود على الحركة والتجوال، حتى أعلنت منظمة الصحة في منتصف الشهر الثالث من العام، الوباء جائحة، وهنا انتفض العالم لمواجهة هذا الخطر، ومحاولة كبح انتشاره وتخفيف آثاره.

مع التصاعد الكبير في أعداد المصابين وارتفاع أعداد الضحايا، بدأ العلماء في ملاحظة تأثير سلوكيات البشر في نشر الفيروس، فقد كان يستخدمنا ليصل لغيرنا، فبدأ فرض التباعد الاجتماعي، ومن ثم بدأت الدول في فرض لبس الكمامة للمصاب، حتى وصلت لفرضها على الجميع، حتى من لا تظهر عليه الأعراض، فربما يكون حاملاً للفيروس ويساهم في نشره.

أظهر هذا العام تعاوناً غير مسبوق ما بين الأمم، فالعدو واحد ضربنا جميعاً ولم يفرق، فتوحدت لقهره الجهود، وسُخّرت الإمكانات كافة لدعم العلم والعلماء، لاكتشاف أسرار هذا العدو، ومحاولة إيجاد علاج فعال يخفف معاناة المصابين، ويساهم في شفائهم، فتمت تجربة بعض العلاجات الموجودة، واعتماد بعضها بناءً على الدراسات، التي سرعان ما دحضتها دراسات أخرى. وهكذا كر وفر إلى أن ظهرت نتائج تجارب اللقاحات الأولية المبشرة، كومضة نور بنهاية النفق، فأحيت الأمل في قلوب المتعبين والخائفين.

ومع نهاية العام تم اعتماد اللقاح، الذي أثبتت الدراسات فعاليته وسلامته، وبدأ الناس في تلقيه، ولكن الفيروس ما زال يحاول أن يقاوم، ويتحور ويضرب بقوة بعض الدول، ويدعو لإعادة فرض بعض القيود في أخرى تحرزاً، ولكنه بإذن الله قريباً إلى زوال، ما إن التزمنا بالإجراءات الوقائية، وبادرنا بالتسجيل لأخذ اللقاح، ووصلت تغطية اللقاح نسبة كبيرة من الناس.

عام صعب مر على البشرية علمتنا فيه الجائحة الكثير وما زالت، أعادت ترتيب أولوياتنا، فالصحة والأسرة والوطن نِعمٌ، لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستسلام في سبيل المحافظة عليها والذود عنها، وربما لم يكن لدى الكثير منا ما يحققه، سوى حفاظه على صحته وسلامته ومن حوله، وتلك نعمة كبيرة تستوجب التقدير والحمد.

نحن كسعوديين أو مقيمين على هذه الأرض الطاهرة محسودون، فقد أظهر لنا عام الجائحة أن السعودية من أعظم الأوطان، فقد قدمت وما زالت كل شيء في سبيل الحفاظ على مواطنيها والقاطنين فيها، ولم تدخر جهداً ولا مالاً، وضحت بكل شيء إلا الإنسان، لذا هي حقاً مملكة الإنسانية، فالحمد لله على نعمة السعودية.