في مطلع التسعينيات وبعد أن تقاعدت نادية لطفي عن أدوار البطولة في السينما المصرية، تسير شاعرة صغيرة مغتربة في الشوارع ذاتها، وقد زال عن المدينة بريق «العصر الذهبي»، وتجد على إحدى فرشات الكتب القديمة رواية بعنوان «الحب والصمت» لكاتبة لم تسمع بها من قبل تدعى «عنايات الزيات»، يعود تاريخ صدورها إلى أكثر من ربع قرن.

روح متمردة

بعد أن نفضت الغبار عن الكتاب واشترته، عرفت بعدها أن عنايات - التي ماتت منتحرة قبل صدور روايتها - لم تكن سوى صديقة قديمة لنادية لطفي. وبعد عشرين عاما ستصبح الشاعرة الصغيرة أستاذة للأدب العربي بإحدى جامعات كندا، وفي جعبتها لا يزال الكتاب القديم نفسه، وهاجس حول تلك الروح المتمردة التي انتحرت في وهج شبابها، يظل ملحا كتهديد خفي، ويتركها أمام سؤال حول المنعطف الذي يقوده إلى هكذا قرار.

سرد استقصائي

في مغامرة كتابية جديدة، تتبع الشاعرة إيمان مرسال، مشروع كاتبة متفردة أجهضته ظروف وقوانين جائرة. بالبحث الميداني، والغوص في أرشيفات القضايا، والصحف، وبلقاءات مكثفة مع أقاربها ومن عرفوها، لاسيما الفنانة النجمة نادية لطفي، وبسرد يمزج الاستقصاء بالتقنيات الروائية. رحلة تعيد الألوان الطبيعية غير المبهجة دائما، للكثير من الحكايات الصغيرة لتضيئ الملامح الواقعية لوجه «العصر الذهبي الغارق في نوستالجيا الأبيض والأسود. ويظهر مصطفى محمود ككاتب يوهم بالعمق بشذرات من قراءات فلسفية ووجودية، وأنيس منصور، أما ميشيل فوكو فقد استعانت مرسال بتصوره عن «الأرشيف» ظانة أن فهم «الحب والصمت» يستدعي تحليلا للعمليات الخطابية المتعددة داخلها، ورصد أشكال الإحلال والإزاحة خلف تكوين وإنتاج واستقبال واستبعاد هذه الرواية في الثقافة العربية.

سلطة رمزية

«من الأفضل ألا نتوقف طويلا أمام وصف مصطفى محمود للكاتبة بالرقة والعذوبة، فاللغة مازالت تفضح قناعات معظم الكتاب العرب حتى وقتنا هذا، بأن الكتابة الجيدة من المرأة، لا يمكن أن تكون إلا رقيقة وعذبة مثلها». هكذا تنتقد مرسال مقدمة «الحب والصمت» التي كتبها مصطفى محمود عام 1967، ذاكرة أن المقدمة تثير أسئلة أخرى: كيف ماتت الكاتبة؟ ومتى؟ ولماذا ظلت روايتها خارج قوائم التأريخ للرواية العربية وكتابة المرأة العربية؟ هل لأنها صدرت بعد رواية لطيفة الزيات «الباب المفتوح» بسبع سنوات فلم يلفت القارئ تميزها؟ أم لأنها صدرت في 1967 عام الهزيمة فلم تجد قارئا أصلا؟ هل عنايات لم تنخرط في اليسار المصري مثل لطيفة فحرمها بسلطته الرمزية الاعتراف بها؟

كاتبة فريدة

بعد رحلة استقصائية ماتعة وعامرة بجلد الباحث والمعرفة، تتوصل مرسال إلى أن عنايات التي انتحرت عام 1963، كاتبة فريدة موضحة «..وخيالها أكبر من تتبعي لأثرها. عندما وعدتها أن أزورها كلما عدت إلى مصر لأن المقابر لا تتحرك من أماكنها، كنت أكلمها عن نفسي: ستكونين دوما جزءا من رحلتي، خطوة على طرق هذه المدينة التي أحببناها وكرهناها، وللغربة التي عشناها في لحظتين مختلفتين، ولمعنى الكتابة التي أعطتنا وأخذت منا».

إيمان مرسال

- ولدت بمحافظة الدقهلية 1966

- شاعرة وأكاديمية ومترجمة مصرية

- تخرجت في جامعة المنصورة

- حصلت على درجتيّ الماجستير والدكتوراه من جامعة القاهرة

- انتقلت إلى مدينة بوسطن الأمريكية في 1998

- انتقلت إلى جامعة ألبرتا- كندا حيث تعمل أستاذا مساعدا للأدب العربي ودراسات الشرق الأوسط

- نُشرت قصائدها منذ بداية التسعينيّات في مجلات مستقلة

إصدارات

- ديوان «ممرّ معتم يصلح في تعلّم الرقص» 1995

- «كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها» عام 2016 تراجع فيه مفهوم الأمومة من منظور نفسي وتاريخي.

- «حتى أتخلى عن فكرة البيوت» 2013.

- «في أثر عنايات الزيات»