لأجل حفنة من الريالات لا تتعدي الـ8 ريالات مقابل الكيلو جرام الواحد من المخلفات، تنطلق نباشات، يعثن فسادا في حاويات القمامة، بحثا عما يمكن بيعه لتجار الخردة، في رحلة مضنية تمتد على مدى ساعات النهار بقيضها وحرها، قاطعات مسافات شاسعة ما بين انطلاقتهن للعمل، ومنطقة التجميع والفرز، حيث يفرزن ما حصدته أيديهن تمهيدا لبيعه، في ما يمكن أن يطلق عليه بداية تمهيدية لإعادة التدوير، وإن كان يناقضه تماما على مستوى التلوث، ففي وقت تستهدف إعادة التدوير التخلص من النفايات أو من جزء منها وإعادة استخدامها، يثير «نبش النباشات» في القمامة كثيرا من المخاوف ويشيع التلوث البيئي بكل آثاره الضارة.

وإعادة التدوير تعني إعادة استخدام المخلفات لإنتاج منتجات أخرى أقل جودة من المنتج الأصلي، وذلك حماية للموارد الطبيعية، وتقليص حجم النفايات غير المستهلكة، لكن ما يلفت النظر في المملكة، أن هذا التدوير اتخذ شكلا حادا، تمثل في انتشار نباشات يبدأن منذ الصباح في جمع المخلفات من النفايات، ثم بيعها إلى تجار يقومون بدورهم ببيعها إلى مصانع التدوير.

ظاهرة دولية

لا يقتصر حضور النباشات فقط على المملكة، فمثل هذه الفئة انتشرت على مستوى كثير من الدول، خصوصا مع انتشار الهجرات غير الشرعية، وارتفاع معدلات الخصوبة منذ منتصف القرن الميلادي الماضي، ما أسهم في نمو أعداد سكان المدن بشكل مضطرد وصل إلى نحو 90% في المناطق الحضرية في العالم بين عامي 1987 و2015.

ومع استقرار كثير من السكان الجدثد في أحياء عشوائية، وفي ضواحٍ نمت على أطراف المدن بطرق شتى، وتوسعة بلا ضوابط، حيث يعيش نحو مليار شخص في أحياء فقيرة (أي نحو ثلث سكان المناطق الحضرية في العالم) حسب تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية.

قاد هذا الانفجار السكاني المتسارع إلى تعزيز الطلب على جمع النفايات، لكن زيادة الطلب لم تتواكب مطلقا مع زيادة الاهتمام في الإطار الرسمي، وتجمع مدن العالم النامي من 50 إلى 80% من نفايات السكان، ومع ذلك فإنها لا تخصص أكثر من 30 إلى 50% من ميزانيات العمليات على إدارة النفايات.

الجمع والفرز

تكاد أم فاطمة تسابق الشروق منطلقة في رحلة يومية لجمع ما تجده في الحاويات وحولها من علب وقطع حديدية وكراتين ورقية، ثم تنهي رحلتها بفرز ما جمعته وتصنيفه استعدادا لبيعه كأوزان بالكيلوجرام.

تبدأ رحلتها يوميا متجهة نحو جنوب جدة، وتقول «أجمع هذه المخلفات من صناديق النفايات، يرميها الناس مستغنين عنها، وأقوم بجمعها، وأبيع الكيلوجرام الواحد منها مقابل 8 ريالات للعلب المعدنية، وهناك أشياء أخرى لها أسعارها المختلفة».

وتتابع «أسكن في غرفة مهملة، ولا تتوفر لدينا أي مرافق ملائمة، على أن أعمل بشكل متواصل حتى أجمع ما يمكنني بيعه للحصول على المال وتلبية متطلبات أسرتي».

مورد مهم

تؤكد أم زينب أن القمامة مورد مهم يمكن استثماره للحصول على دخل مادي يمكنها من أن تعيل أسرتها، وتقول «المخلفات توفر لنا المأكل والمشرب والملبس، هناك تجار يبحثون عن كثير من المخلفات ومواد الخردة، لديهم المال الذي يمكنهم من شراء المخلفات المعدنية والخشبية والبلاستيكية، ونحن نقوم بجمعها وإيصالها إليهم».

وتتابع بخجل «منذ السابعة صباحا، وحتى قبلها أبدأ رحلة البحث وجمع المخلفات التي رماها الناس، ثم نبدأ في وقت لاحق يقارب غروب الشمس في فرزها وبيعها، ثم أعود إلى منزلي للاستحمام وإعداد الطعام لأسرتي المكونة من والدتي وزوجي وأبنائي وبناتي الصغار».

وتشير أم زينب التي توفي والدها وهي طفلة، والتي أصيبت بعدة أمراض صدرية وجلدية بسبب تعاملها مع المخلفات والقمامة، إلى أنها تعتقد أنها الآن اكتسبت مناعة ضد هذه الأمراض من كثرة التعامل مع المخلفات».

الشراء من النباشات

يقول أبو محمد وهو مالك أحد المستودعات التي تجمع فيها الخردوات في جنوب جدة، إنه يشتري ما تأتي به النباشات مما جمعنه من معلبات فارغة يتم وزنها، وأنه يقدم 8 ريالات لكل كيلو جرام منها للنباشة التي تحضرها، ويقول «أحيانا ندفع أقل أو أكثر من ذلك بريال واحد فقط صعودا أو هبوطا، وذلك يعود لطبيعة البضاعة».

ويتابع «أشتري هذه المخلفات من جامعاتها، وأبيعها بعد وزنها إلى تجار المخلفات، ومنهم تذهب إلى مصانع إعادة التدوير».

حفنة متواضعة

يفيد حسين علي، وهو مقيم عربي يعمل في مهنة شراء المخلفات من جامعاتها لبيعها لتجار الخردة منذ أكثر من 7 سنوات بأنه اعتاد كل يوم انتظارهن، ويقول «تأتي النباشات عبر سيارات أجرة إلى الموقع لعرض ما لديهم من نفايات تم جمعها من قبلهن.. أكثر ما نشتريه هو المعلبات الفارغة والكراتين».

ويضيف «نشتري المعلبات بالكيلو جرام، ويتراوح سعر الكيلو جرام الواحد ما بين 8 ريالات و 9 ريالات، وفي اليوم الواحد من أيام الأسبوع تأتي إلي ما بين 3 و 5 نباشات، وأشتري من كل منهن ما يعادل تقريبا 30 كيلوجراما، بمجموع يقارب الـ240 ريالا من النباشة الواحدة، ثم بعد ذلك أبيع هذه المعلبات للمصانع الواقعة في المنطقة، حيث تتم إعادة تدويرها».

أما علي سالم الذي يعدّ الأكثر حظا من بين المشترين الآخرين الذين يعملون في هذه المهنة، وهو منافس قوي لهم، نتيجة ما يعرضه على النباشات من مبالغ تختلف عن الآخرين، حيث يعطي 10 ريالات مقابل الكيلو الواحد، وتأتي إليه يوميا نحو 10 نباشات ليشتري ما يحملنه والذي قد يصل إلى نحو 60 كيلو جراما من كل نباشة بمقابل يصل إلى 600 ريال، لكنه يقر أنه يكسب ضعف ما يدفعه حين يبيعه إلى المصانع.

وكشفت جولة ميدانية لـ«الوطن» في جوانب سوق الصواريخ في جدة، عن انتشار المشترين لما تجمعه النباشات من معلبات وكراتين، لكن معظمهم تهربوا من عدسة «الوطن»، كما تهربوا من الإدلاء بأي تصريحات حول ما يشترونه وكمياته والمقابل الذي يدفعونه أو يحصلون عليه، باستثناء ما ذكره حسين علي، وعلي سالم.

تلوث المخلفات

يحذر الخبير البيئي الدكتور علي عشقي من أن «المخلفات ملوثة بالبكتيريا والفطريات والفيروسات، وهذا خطر متنقل يبدأ منذ إلقاء تلك المخلفات في الحاويات وحتى وصولها إلى مصانع التدوير».

ويضيف «لأجل ذلك، يجب أن تقوم أمانات المناطق والمدن، بجمع تلك القمامة بطريقة منظمة، وبوسائل آمنة قدر الإمكان، تجنبا لنقل الفيروسات والفطريات والبكتيريا من شخص إلى آخر، وإذا كانت العملية منظمة، فستتم إعادة التدوير بطريقة نظامية بعيدة عن فوضى النباشات والجامعين، وستفرز المخلفات البلاستيكية والزجاجية والألمنيوم، ويُذهب بها إلى المصانع عبر ناقلات كبيرة لتخفيف حجم النفايات إلى نحو 40 %».

ويشدد عشقي على ضرورة منع النساء النباشات من القيام بجمع المخلفات من النفايات، وترك العمل للأمانة حتى يتم تحويل المخلفات إلى منتجات مفيدة.

المخلفات

النفايات هي مجمل مخلفات الأنشطة الإنسانية المنزلية والزراعية والصناعية والإنتاجية، أي كل المهملات المتروكة في مكان ما، والتي يهدد إهمالها ويسيء إلى الصحة والسلامة العامة.

أقسامها وأنواعها

1ـ نفايات حميدة:

المواد التي لا يشكل وجودها مشكلات بيئية خطيرة، ويسهل التخلص منها بطريقة آمنة بيئيًا.

2ـ النفايات الخطرة

تشتمل مكوناتها على مركبات معدنية أو إشعاعية تؤدي إلى مشاكل بيئية خطيرة.

تتولد من المواد والمخلفات الصناعية والكيماوية، والمخلفات الزراعية

3ـ النفايات الصلبة

تتكون من مواد معدنية أو زجاجية، وتنتج عن النفايات المنزلية والصناعية والزراعية

تحتاج إلى مئات السنين للتحلل

يشكل تواجدها خطرا بيئيا

4ـ النفايات السائلة

تتكون من استخدام المياه في العمليات الصناعية والزراعية المختلفة

منها:

أـ الزيوت

ب ـ مياه الصرف الصحي

5- النفايات الغازية

الغازات أو الأبخرة التي تنتج عن حلقات التصنيع

تتصاعد في الهواء من خلال المداخن الخاصة بالمصانع

أضرار النفايات

ـ النفايات العضوية المتكدسة في المكبات تلوث الهواء

ـ تنتج غازات ضارة مثل أكاسيد الكربون بأنواعها وغاز الميثان

ـ تكون خطرة إذا كانت معدية

ـ تحتوي على مسببات الأمراض، كالبكتيريا أو الفيروسات أو الطفيليات أو الفطريات

أسباب انتشار النفايات

ـ سرعة التقدم الصناعي

ـ ارتفاع كمية المخلفات الصناعية

طرق غير سليمة للتخلص منها

ـ الحرق

ـ رميها في البحار والأنهار

ـ رميها في المكبات

ـ غياب القوانين الصارمة المانعة لرميها

ـ عدم إمكانية استيعاب المكبات لكم هائل من النفايات

ـ إهمال السكان