نتيه في هذه الحياة المليئة بالعثرات، التي تولِد بطبيعة الحال بداخلنا الضغوط النفسية، فتجبرنا في بعض الأحيان على مواجهة هذه الضغوط أو التعايش معها، التي تترك أثرها النفسي، التي تنعكس على شخصيتنا.

تتكون الشخصية من ثلاثة أنظمة «الهو، والأنا، والأنا الأعلى» كما يفسرها فرويد وأنها حصيلة تفاعل هذه الأنظمة الثلاثة، فالهو: هي الجزء الأساسي للشخصية الذي ينشأ عنه فيما بعد الآنا والأنا الأعلى، وهي الفطرة الإنسانية، المتمثلة في جميع غرائزه الموروثة، التي تعد العنصر الأساسي في الشخصية، فهي لا تراعي المنطق والأخلاق والواقعية في مبدأها، بعكس الآنا التي تعد أكثر اعتدالاً واتزانًا بين الهو والأنا العليا.

فطبيعة الأنا أنها ترضى بإشباع بعض الغرائز التي تطلبها الهوا، ولكن بصورة أكثر قبولًا في المجتمع، التي تحافظ على القيم والأخلاق، وتتصف في الإدراك والتفكير والحكمة والملاءمة العقلية، فهي تشرف على النشاط الإرادي للفرد، باعتباره مركز الشعور عند الحاجة للتفكير، فهي توازن بين رغبات الهوا والأنا الأعلى.

فالأنا الأعلى تعد أكثر تحفظًا وعقلانية في الالتزام بالمبادئ والأخلاق في المجتمع، ولا تبحث عن الغرائز والأفعال الشهوانية، فتقوم بوظيفة الضمير الإنساني الذي يبحث عن الكمال بعيدًا عن ملذاته.

عندما تتضخُّم الآنا، تقودنا أحيانًا إلى طريق الإبداع أو الغرور، عندما تكبر وتتضخم على حساب الغير، فهي تسلك طريق الغرور بالذات، فتتخطى حدودها وتفقد توازنها، فتصبح غير مقبولة في المجتمع، فالمرء الذي يشبع ذاته بقدرها وكفايتها المعقولة فهو يحافظ على توازنها، فتكون أكثر قبولاً، وأقدر على العطاء.

من أبرز المؤشرات نجدها في تضخم وإنحراف الآنا، هو بروز عدد من السلوكات والتصرفات الغارقة في الغرور والأنانية والفخر والاعتزاز بالذات بشكل مرض وتعسفي وغير واقعي أو موضوعي على حساب الغير.

يمكن أن نفسر الآنا في حالتين؛ الحالة الأولى: يكون جزءًا منها يدفعك إلى اللامعقول والسطحية واللا مسؤولية، والحالة الثانية: حيث تكون أكثر مرونة واتزانًا وحذرًا وموضوعية في اتخاد قراراتها والتمسك بالقيم، وأكثر تواضعًا وواقعية.

عندما نسعى للوصول لأهدافنا بمساعدة الآخرين، والعمل كالفريق الواحد، والذي من خلاله نستطيع تحقيق أهدافنا، ونختصر المسافات، ونوفر الوقت والجهد، فيجب علينا تعظيم الآنا في الآخرين، لنشبع ذواتهم حتى يكونون أكثر عطاء واستجابة لما نطلبه لكسب قلوبهم وإشباع ذواتهم بالحسنى، فالنفس البشرية تحتاج إلى الثناء الصادق الذي ينبع من الأعماق، الذي يشعرهم بقيمتهم الحقيقية لما قدموه.