ماذا لو كان كل إنسان منّا ينتج الطاقة الكهربائية من خلال حركته اليومية، أو من خلال أنظمة يثبّتها في منزله؟ وماذا لو قام بتفريغ تلك الطاقة إلى شبكة الربط الكهربائي؟ فأصبح يستخدم ما ينتجه ويبيع الفائض منه؟ كل هذه ليست أحلاما بل هي واقع قريب.

تعكف وزارة الطاقة السعودية على تنفيذ العديد من البرامج الوطنية، لتمكين قطاع الطاقة، وتأسيس بنية تحتية متعددة الأغراض لمواجهة التحديات المستقبلية والمتغيرات في عالم الطاقة من جهة، ولخلق الحلول الابتكارية للعالم من جهة أخرى، لتجاوز التحديات القائمة حالياً. فقد صرّح الوزير الأمير عبدالعزيز بن سلمان هذا الأسبوع «بأننا لدينا الإرادة لأن نكون أصحاب الحل وليس فقط جزءا من الحل» وهذه الكلمات لا تأتي من فراغ أبداً. كما أن الهدف بأن تكون مبادراً للحلول، هو هدف نبيل في صورته الكبيرة، وممكّن اقتصادي مهمّ جداً للسعودية، يأتي في وقته لتأسيس قاعدة صلبة لقطاع الطاقة السعودي، لتنويع سلة منتجات الطاقة، وأيضاً جذب استثمارات قطاع الطاقة للانتقال للمستوى الثاني، وهو الابتكار في الطاقة، والذي ستعنى به أيضاً وزارة الاستثمار والهيئة الملكية للجبيل وينبع، اللتان هما في حاجة ماسة للابتكار، وتفعيل دور العقل السعودي للاستفادة من المقدّرات الهائلة في أرض المملكة. فالمستثمرون ستجذبهم البنية التحتية في قطاع الطاقة، لبدء المشاريع التي ستكون ذات أثر بعيد المدى على مستقبل المملكة واستدامة مواردها الطبيعية لفترات ما بعد 2100.

دعوني آخذكم قليلاً إلى المستقبل حيث الحلم الذي لم يعد حُلماً بقدر ما هو مسابقة محمومة، يكون السبق فيها للعقل والإرادة والفكرة. فنحن في السعودية لن نجهد في كسب ثقة القيادة السياسية فهي قيادة محفّزة، وستكون بالتأكيد مع كل فكرة تضيف لمنظومة قطاع الطاقة.

فكيف سيكون مستقبل قطاع الطاقة في 2030 من الناحية التطبيقية ومجالات الاستثمار؟ حتى اليوم، هناك 600 شركة ناشئة في مجالات مبتكرة في قطاع الطاقة وخدماتها، ولكن هناك خمس تقنيات نحتاج إلى توطينها ستصنع الفرق في هذا العقد الجديد الذي بدأ للتو، وهي تقنية «من السيارة إلى الشبكة الكهربائية والعكس»، وتقنية «توليد الطاقة في الموقع»، وتقنية «مراقبة كفاءة استهلاك الطاقة المباشرة إلكترونياً باستخدام الذكاء الصناعي»، وتقنية «الاستخدام الهجين للطاقة في الموقع بالذكاء الصناعي»، وتقنية «الشبكات الصغيرة للطاقة لتوفير الكهرباء في الأماكن النائية أو غير الموصولة بربط الكهرباء».

وبالنسبة لتقنية «من السيارة إلى الشبكة الكهربائية والعكس»، فإننا نتحدث عن محرك كتلة وقود الهيدروجين، الذي تعمل السعودية وغيرها على إنتاجه للاستخدام الشخصي في السيارات الكهربائية، إلا أن التحدي يكمن في إيجاد شبكة تزويد الكهرباء للسيارات، وتكون في الوقت ذاته قابلة لتفريغ الكهرباء من السيارات عند عدم الحاجة لها، وبالتالي ضمان تدوير الكهرباء، وخفض الكلفة الإنتاجية بشكل عام في الوقود النظيف، مقارنة بالوقود البترولي في السيارات الحاليّة.

أما عن تقنية «توليد الطاقة في الموقع» فهي تقنية توليد الطاقة من خلال الطاقة الشمسية والحرارية، من خلال نظام يولّد ويخزن الطاقة غير المستخدمة لحين الحاجة إليها، أو عند تعذر الظروف المناخية المناسبة للتوليد، كما أنها تقنيات تستخدم في المنازل وفي المصانع الكبيرة أيضاً.

وتتلخص تقنية «مراقبة كفاءة استهلاك الطاقة المباشرة إلكترونياً، باستخدام الذكاء الصناعي» من خلال قارئاتٍ ذكية تحدد مستوى الاستهلاك والتوليد وإعادة تفريغ الطاقة إلى الشبكة، وتوجيه المستهلك من خلال تحليل تلك البيانات وتقديمها بشكل قرارات موجهة، لخفض الكلفة وزيادة موثوقية النظام.

أما تقنية «الاستخدام الهجين للطاقة في الموقع بالذكاء الصناعي» فهو نظام توليد للطاقة المتجددة يكون مرتبطا بالشبكة الكهربائية، ولكنه يضبط الاستخدام وفقاً للفرص الأمثل، فعندما تشرق الشمس بشكل جيد فإنه يستخدم الطاقة المتجددة مباشرة، وعند تعذر ذلك، فإنه يستخدم الشبكة الكهربائية دون أدنى انقطاع للخدمة عن المستهلك.

وتأتي تقنية «الشبكات الصغيرة للطاقة» لتعالج مشكلة المناطق النائية والصعبة، وتلك غير المرتبطة بشبكة الربط الكهربائي، من خلال توفير شبكة صغيرة للكهرباء التي يتم إنتاجها بمصادر متجددة ونظيفة، وتكون بسعر رخيص ومعتدل للمستهلك.

كل ما سبق هي تقنيات واعدة حالياً توفرها شركات ناشئة، سوف تغيّر من مفهوم الطاقة عالمياً في المستقبل القريب، وهي مجال رحيب جداً للاستثمار السعودي والتوطين، مع الأخذ بالاعتبار مواءمتها مع أسعار الطاقة ومصادرها داخلياً، والتحوّل التدريجي من فكرة الدعم الحكومي للكهرباء إلى دعم المستثمر، وهو ما سوف يزيح عن كاهل الميزانية العامة عبئاً كبيراً من المبالغ المستهلكة، وتوجيهها إلى المصارف المثلى للاستثمارات الوطنية لتعظيم الاقتصاد السعودي. ولهذا فإن قطاع الطاقة السعودي بحاجة ماسة إلى الحالمين.