كتبت عدة مقالات، وفي كل سنة مرة، ولو هي بحجم الضرر الذي يسببه الناموس، وبالذات في مدينة جدة لكتبت كل يوم، وأنا أعرف أنه كلام غالبا لا يودي ولا يجيب، ولكن على الأقل لتفريغ الهم والألم من هذا الناموس ولرفع العتب من القراء الذين يعانون من هذه الحشرة الضارة بل القاتلة، وسؤالهم ولو في السر، ليش ما تكتبون عن الناموس الذي أرقنا وأزعج حياتنا.

أنا والله يشهد كتبت تحت عناوين، ناموسنا غير وناموسنا نمس، وآخر مقال كان طالبك السموحة يا ناموس.

وفِي هذا المقال ترجيت الناموس أن يسامحني في خطوة مني للصلح معه عسى ولعل يكون عنده نخوة ويسيبني في حالي.

وسبب مناشدتي الناموس أن يكف عن إيذائي، أني وجدت أنه لا جدوى من المناداة بالقضاء عليه، لأن شكله لديه واسطة قوية، بل أشهد أنه تطور عدديا وعمليا. فيا أهل الاختصاص، ترى الناموس ولنقل البعوض، ليس أقل ضررا من كثير من الآفات، فهو ناقل لأمراض كثيرة تتسبب في معاناة الملسوعين، بل وقد يتطور الأمر إلى وفاتهم.

وحتى نتعرف على خطورة الناموس، وبالذات أنثاه بعوضة هانم، وتحديد البعوضة أنثى الناموس لما لها من قدرات استثنائية عن الذكر من حيث القرص والمص ونقل الأمراض، فهي لها خرطوم على صغره أدهى من خرطوم الفيل، وتغرز خرطومها الضئيل جدا في جلود الفيلة والجمال والأبقار، وطبعا في جلد الإنسان الذي أصلا هو من الهواء ذبنا، وتنقل أمراضا متعددة وخطيرة مثل: الملاريا، وحمي الضنك، وحمي الوادي المتصدع وسميت بذلك لأنها بدأت في كينيا في موقع اسمه الوادي المتصدع.. وما خفي كان أكثر.

والبعوض له أنواع كثيرة قد تتجاوز 3000 نوع، والبعوضة تضع من 100- 400 بيضة، يعني ولا أجدع مزرعة دجاج، والدجاجة «أم بيضة واحدة» وتصجنا وهي تكاكي، عشان تبيض تلك البيضة تتواري خجلا أمام أصغر ناموسة.

والبيئة المحببة للناموس أو البعوض هي المياه أينما كانت ومهما قلت، فما بالك بجدة التي هي مرتع خصب لتكاثر الناموس، وأنا بصراحة أكبر في المقيمين في جدة صبرهم، وإن كان يبدو لي أنهم تعودوا على الموضوع فأخذوها من قصيرها ورجعوا للناموسيات مع الاستعانة بالكريمات المناسبة لعلاج ما خف لسعه، أما ما ثقل فجري على أقرب عيادة ويكع المعلوم لأمر دبر بليل من الناموس ومن تشدد له.

لقد أصبحنا بين إشكالين، أحلاهما مر، فإذا خرجنا نضع أيدينا على قلوبنا من كورونا، وإذا دخلنا البيت من البعوض.. يا مسؤولين عن هذا الموضوع شوفوا لنا حل، يا إما تضمنوا لنا إنه ناموس حبيب، وأبو قرص طيب، أو ادفعوا عنا فاتورة العلاج، أما الموت «لا قدر الله» فمسامحينكم، بحكم أن «كل نفس ذائقة الموت»، ومن لم يمت بالقرص مات بغيره، أو اعملوا لنا صلح مع البعوض، على مبدأ لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم، يعني يوم قرص ويوم لا على الأقل نشم نسمنا.

لقد مللنا الحديث عن الناموس، والرجاء القضاء عليه، ومساهمة مني في النيل من هذه الآفة الفتاكة سأنقل تجربة لمدينة مديلين في كولومبيا، لعل الجهة المختصة تستفيد منها، وهي أن في البعوض بكتيريا تسمى «لباكيا»، وهي موجودة أيضا في الطبيعة وهي بكتيريا نافعة، ولكن التي في تكوينه لا تكفي لجعل البعوض غير ضار، لذلك تؤخذ من الطبيعة وتطعم بها بيضة الناموس، وبعد خمسة أيام تصبح شرنقة، وبعد يومين تكون جاهزة للطيران، فتطلق في الهواء فتتزاوج مع الناموس غير المطعم، فيفقسون أبناء وبنات صالحين وغير ضارين، ومع الوقت يصبح الناموس كله آخر فل وصديق للبيئة وتنتهي المشكلة ولا نحتاج بخا ولا ردم المستنقعات، ولا إتمام موضوع المجاري «ما عاد له لزوم».

يقول صاحبي فلان، اضطررت لشراء ماتور لبخ مواد مكافحة الناموس، وبخاصة أننا لا نرى، بل ولا نشم رائح البخاخين المختصين الذين أوحشونا، وصرت أبخ كل يومين مرة، ولكن سمعت أن البعوض مع الوقت يألف هذا النوع من المبيد بل ويتنظره بلهفة وشغف.

ويكمل صديقي فلان ويقول: قبل كم يوم، يا هم ليلي رحت لفندق شهير بناء على نصيحة أخونا علان الذي قعد يدوي على أذني لأجل أزور هذا الفندق لأعمل مساج، وأنا لا أحب المساج ولا الكبوس، ولكن عشان أرتاح من زنه الذي يذكرني بزن البعوضة «وما شابهها» دخلت لمركز المساج، وشوية أسمع الممسج يقول تسمح لي آخذ صورة مع رجلك، فرديت يا سلام وليش مع رجلي يعني من زينها، قال «أنت عملت الوشم دا فين»، وأنظر في رجولي وأكتشف أن بها احمرارا وزرقة، وفي كل مليمتر قرصة من أخمص قدمي إلى قرب الركبة، وكأنها لوحة لدافنشي أو فان جوخ.

وفهمت الموضوع، فالناموس افترى في جسمي، ومن كثر اللسع واستمراره الظاهر تعودت عليه، وبيني وبينكم فرحت في نفس الوقت. فقد يعني هذا أني تطعمت من لسعه، وقلت الحمد لله برضوا على الأقل القرص جاء بفائدة.

ضحكت من سالفة صديقي فلان، وقلت له مين سمع، ترى الحال من بعضه، أو من بعوضه، الله يخلف على جلودنا، وأنا بفكر جدياً بالتأمين علي من قرص الناموس، تذكرت أن شركات التأمين، ترفض التأمين أو على أحسن حال تجعله من المحال لأن الكبار في السن عليهم أن يبطلوا طمع ودلع، وكما هي البنوك وكثير من تعاملات الحياة، فأنت كبير في السن وعليك أن تقنع وتبطل طلبات.. لكن تذكرت أن هناك إيجابية لما بعد الوفاة «الله يطول في عمر الجميع» وهي أنه إذا كان الإنسان ذو إنجاز، فربما يكرم فقد تجاوز الشرط الأهم في التكريم، وهو ألا يفرح به وهو حي.