في موجة التطور السريع وانخراط العالم في مرحلة تقنية جديدة، وتلاحق الابتكارات ونهوض مدن جديدة للتو نسمع عنها، كان لزاما أن يتغير تباعا لكل ذلك رتم الحياة الشخصية لنا. كأفراد لم نعد نستطيع اللحاق بالوقت، هذا الأخير الذي ينفلت من أيدينا بسهولة مثل خيط من الماء!

في الحقيقة أصبحنا مثل سرب من أسماك السردين يهرب من شيء ما، مثل جمع كبير في حالة ركض سريع باتجاهات عدة، كل حسب توجهاته وخياراته وحياته. حتى أننا بتنا نشكو من تشابه الأيام، وأن الحياة القديمة التي عبرناها كان لها لذة تفوق أيامنا الحالية التي وبقدرة قادر أصبحت «ماسخة»!.

إننا ودون قصد منا صنعناها على ذلك النحو، نحن المولعون بفكرة اللحاق بالركب، المجبولون على الكد، المنصاعون للرغبة في الانتقال دائما من حال إلى حال آخر قد لا يكون أفضل بالضرورة.. إنما رغبة في التغيير.

أثناء ذلك الركض المتواصل فقدنا في المضمار في جملة ما فقدنا (المسرات الصغيرة).. فقدنا قدرتنا في الوقوف على الأشياء، فقدنا قدرتنا في النظر إلى ما لدينا، إلى المتع الصغيرة الموجودة منذ وقت طويل حتى فقدت قيمتها بالاعتياد.

ماذا لو أننا توقفنا على لذة كوب القهوة الذي نشربه في الأوقات المستقطعة؟ أو كوب شاي ممتلئ (بالحبق)، نرخي أجسادنا وأذهاننا للسكينة قبل أن نواصل من جديد؟

ماذا لو أننا توقفنا عند مشوار بلا وجهة؟ نكتشف فيه روعة تزجية الوقت دون ضغوط من الخارج؟ باحثين عن مقصد غير مقصود!

ماذا لو أننا توقفنا على صناعة طبق صباحي من الفول، نعطيه وقته ونلقي خلفنا ذلك العالم الذي ينادينا مرة أخرى للركض مقابل مغريات كثيرة؟.

ماذا لو أننا أغلقنا هواتفنا ليوم، نقضيه لصالح العائلة، ستصدمنا الأخبار التي فاتتنا عن أفرادها!، سننتبه للعمر الذي قضيناه تتراشقنا المشاغل غير الحقيقية!

ماذا لو أننا توقفنا لبرهة لتعلم حرفة ما؟ صنعة ما؟ قبل أن يستدرجنا الوقت لمواصلة الجري؟!

ماذا أيضا لو أننا استمتعنا بالكسل! نعم بالكسل، بالتمدد على أريكة واستنفاد طاقة الملل القصوى من أجل الوقوف لاحقا على أقدام ثابتة.

ماذا لو أننا تعلمنا الوقوف في وسط الماراثون للاستراحة والتمدد، وليس لأخذ الأنفاس وحسب؟

ماذا يعني لو خالفنا العالم!؟

إننا ننفد للأسف بتجاوزنا مسراتنا الصغيرة، تلك التي أسميها بطارية الشحن المتاحة، والتي من الممكن إعمالها بطريقة مثالية لإضفاء رونق سحري على الحياة.