سأبدأ هذا المقال بقصتين، الأولى دولية وشهيرة، عندما أراد جورج بوش الابن الترشح للرئاسة أشار عليه والده بوش «الأب» أن يقابل ويستشير الأمير بندر بن سلطان، وكان اللقاء الشهير والنصائح التي كتب عنها الكثير، والتي غيرت وجهات نظر بوش الابن في كثير من الملفات، وأيضًا رؤيته للأمور السياسية، ويعتبر هذ اللقاء نقلة تاريخية رغم قصره وسريته بعض الشيء فإنه أضفى تغييرًا دراماتيكيًا على قناعات جورج بوش الابن، قد يستغرب أحدهم ويقول أمريكا بكبرها وعظمتها ورجالها وسياسييها ليس فيها أحد يعطي النصائح مثل بندر، لكن يثبت ذلك أن السياسي المحنك يبحث عن الحكمة أينما وجدت، ولا يهتم إن جاءت هذه الحكمة حتى من أحد أفراد دولة كانت تعتبر من دول العالم الثالث.

أما القصة الثانية فهي محلية، الملك عبدالعزيز، رحمه الله، قائد فذ نادر يشهد له التاريخ، ويجمع على حكمته وبعد نظره أعداؤه حتى قبل أصدقائه، وبنظرته الثاقبة والإستراتيجية للأمور فإنه كلف جون فيلبي أو «عبدالله فيلبي» بالمفاوضات مع الأمريكيين للتنقيب عن النفط في السعودية، وكيف أن هذه المهمة كان لها دور في إنشاء اللبنات الأولى ما سمي لاحقًا بـ«أرامكو»، واختار فيلبي الأمريكيين على البريطانيين رغم أنه بريطاني، وهذا لا شك غير تاريخ المنطقة، فدخول الأمريكيين كشركاء أدى إلى نهضة مميزة أو ما يسمى أثر أرامكو على جميع قطاعات البلد، مقارنة بالبريطانيين الذين كانوا يستغلون النفط في المناطق العربية الأخرى دون تقديم تطور أو نهضة مميزة، ومهما قيل أو كتب عن عبدالله فيلبي من شائعات، لكن هناك شبه إجماع على محبته وولائه للملك عبدالعزيز، ولا شك أنه خدم المصالح السعودية في عدة ملفات، وعندما يكون القائد مثل الملك عبدالعزيز فإنه يعرف شخصيات رجاله، وكيف يتعامل معهم ويكسب ولاءهم.

رؤية المملكة 2030 عالمية، ليست مقتصرة للمملكة فقط، ولكن تشمل المنطقة ككل والشرق الأوسط، وأيضًا تشمل جلب الخبرات من كل العالم، فالبعد العالمي للرؤية ومساندتها من وجوه عالمية يسهل الكثير من العمل لتغيير وجه الشرق الأوسط، ورغم أن كثيرًا من الاقتصاديين ورجال الأعمال العالميين مشاركون في مجالس الرؤية والمجالس الاستشارية المتعلقة بها ومشاريعها، لكن وجود السياسيين العالميين في أي رؤية أو حركة تغييرية أو تجديدية قد يكون ضروريًا، لتسهيل حركتها، وعمليًا في الساحة الدولية لا يمر شيء بسهولة ومرونة دون دعم من السياسيين، فالسياسيون هم المتحكمون في الملفات الدولية ودعمهم ضروري لوضعه الأولويات والأجندة.

لذلك ربما وجود مجلسين استشاريين للسياسة الخارجية قد يكون خطوة مهمة لتغيير المنطقة للأفضل، فمجلس استشاري مصغر من السياسيين النشطين اللامعين على المستوى الدولي يكون أكثر مرونة، ويجتمع بشكل دوري متكرر وأيضًا مجلس آخر موسع يحتوي على جهابذة سياسيي العالم، يناقش الملفات بشكل إستراتيجي، وعلى المدى الطويل.

ليس لهذه المجالس أي تدخل مباشر بالقرارات السيادية؛ لأنها استشارية لكن في نفس الوقت تعطي مقترحات وتوصيات قد يعتمدها صاحب القرار أو لا، ومنها تسمع آراء مختلفة ووجهات نظر مختلفة من أفضل سياسيي العالم، هذا غير أنه من الممكن تكليف أحد الأعضاء ممن له خبرة بملف معين بالعمل على الملف كمبعوث أو وسيط أو مستشار.. وهذا على المدى القريب والبعيد يعطي للسياسة السعودية الخارجية بعدًا دوليًا ذا أثر، وأيضا يسهل كثيرًا من المراحل للوصول للنتائج.

اختيار الشخصيات في هذين المجلسين وتنوعها لا يقل أهمية عن المجالس نفسها، قد يخطر للبعض بعض الأسماء من شرق الأرض وغربها، وربما يخطر لي لائحة من الشخصيات لكن لن أذكرها لأن تحديد الشخصيات يعتمد على المستشير أكثر من المستشار، لكن سأذكر بعض الأمثلة لبعض السياسيين الذي يعتبرون جهابذة السياسة في العالم، وسأبدأ بأسطورة السياسة هنري كسنجر، هذا الشايب مثل الذهب والجواهر التي كلما زاد عمره زادت قيمته، طبعًا أتكلم في مقياس أهل العرف، وليس المتسلقين الذين قرأوا كتابين في السياسة وبدأوا يتفلسفون، عندما يكون هناك ملف أو قضية سياسية، فإننا نبحث عن رأي له في الموضوع إذا وجد أو عما يقوله هنري في هذه القضية، ويكون لرأيه وزن، وصدقوني هذا الشايب نادرًا ما يخطئ أو ربما لا تفهم حديثه وألغازه بشكل مباشر لأن مستواه أعلى من أن يفهمه بعض العامة.

شخصية أخرى لو كانت حية لكانت إضافة عظمى، هي معلمنا وأستاذنا والأب الروحي للواقعية السياسية كينيث ولتز، مؤسس مدرسة الواقعية الجديدة في السياسة، والتي أثبتت الأحداث والأزمات أن لا شيء يحدث في السياسة الدولية دون أن يكون من منطلق قواعد مدرسة الواقعية الجديدة، حاول الكثيرون الخروج بنظريات معاكسة، وحاول بعض المثاليين وغير الواقعيين مهاجمة مدرسته، لكن في الأخير أثبتت التجارب صحة آرائه، مهما تختلف معه في بعض الأمور يبقى هو الأستاذ زبيغينو برجينسكي، مستشار الأمن القومي الشهير، أحد كبار المفكرين السياسيين، ودائمًا ما يحمل وجهة نظر مختلفة، لكن حججه قوية حتى لو كنت تختلف معه في وجهات النظر.

قد يقول قائل أنت تذكر سياسيين قديمين أو ميتين ولماذا لا تذكر بعض الحاليين، والجواب بسيط، أنا ذكرت هذه الأسماء الكبرى وبهذا الحجم، كمثال لما أتمنى أن تكون أسماء السياسيين الحاليين الذين يتم استقطابهم في هذه المجالس الاستشارية، وهناك العديد من الأسماء الدولية الحالية التي لها وزنها، والتي تخطر على البال، وقد تكون مناسبة لهذه المجالس لكن تبقى فكرة إن لم تفعل!