تقرير وكالة الاستخبارات الأمريكية، في مقتل المواطن السعودي جمال خاشقجي، والذي أزيحت عنه خاصية السرية، وتم نشره في يوم الجمعة 26 فبراير 2021، لم يأخذ الشكل الاستخباراتي البحت، أو الشكل القانوني، وإنما ظهرت من وراء سطوره البعد السياسي القذر، وراء محاولة بناء حقائق عمل استخباراتي هش.

لم نكن نظن أن (CIA) ستقع في مثل هذا التهافت البشع، وهي إحدى أعرق المؤسسات الاستخباراتية في العالم، فقد اعتدنا على (CIA) هوليوود، التي لا تعرف المستحيل، والتي تصون سمعتها المؤسسية ونزاهتها بأرواح أفرادها بدءا من رئيسها، وحتى أصغر موظفيها، وأنها ذراع أمريكية قوية لحماية الحرية والديمقراطية، ولكن ما لا ينتبه له إلا القليل، أن الحقيقة على خلاف ذلك تماما، فعلى مدار سبعة عقود كاملة مضت على تأسيسها في سبتمبر عام 1947 نفذت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، مئات العمليات القذرة في عشرات الدول حول العالم من الأرجنتين إلى الكونغو، تضمنت عمليات اغتيال للشخصيات المؤثرة، واختطافا وتعذيبا للمواطنين، لتحقيق أغراض سياسية واقتصادية، كما دبرت الوكالة عددا لا بأس به من الانقلابات العسكرية، وحركات التمرد في دول العالم الثالث، وتورطت في التحريض على العنف والانتفاضات وتسببت في إشاعة حالة من الفوضى الاقتصادية والبؤس للشعوب من خلال تسليح التنظيمات الإرهابية والميليشيات، فضلا عن التجسس على أقرب حلفاء أمريكا بحجة مساعدتهم، ورغم شعارات تأييد الحرية ونشر الديمقراطية فإن المصلحة الأمريكية دائما هي الهدف الحقيقي من العمليات وسواء كان النفط في إيران أو الموز في جواتيمالا، فإن الولايات المتحدة لديها مصالح اقتصادية وسياسية في كل بلد تدخلت في شؤونه، ومن أجل تحقيق أهدافها. (روز اليوسف، 7 عقود من العمليات القذرة، آية الجندي)، وفي كتابه: «مذكرات صحفي استقصائي» سلط الصحفي سيمور هيرش، الضوء على الجرائم التي ارتكبتها أجهزة المخابرات الأمريكية «CIA»، في العديد من مناطق العالم، وتحدث عن قيام وكالة المخابرات المركزية بتأسيس شبكات لتهريب المخدرات في جنوب شرق آسيا. وتابع أيضا الغارات الجوية لتدمير السدود في فيتنام الشمالية وانطلاق تلك الغارات من مطارات سرية في لاوس.

تعاملت الوكالة مع التقرير الذي لا يحكي شيئا، كما لو كانت تنشر تقريرا أشبه بالتقارير الصحفية التي تنشئها صحف النيويورك تايمز، أو الواشنطن بوست، ضد المملكة العربية السعودية، ولنركز على بعض الكلمات التي جاءت في نص أو متن التقرير:

(نحن نقدر ...)، (نحن نبني هذا التقييم ...)، (...مما يجعل من غير المرجح ....)، ( من المحتمل أن يكون ...)، (...ويشير هذا إلى أنه من غير المرجح أن ...)، (لدينا ثقة كبيرة ... )، (لا نعرف ما إذا كان ...)، لم أجد أي حقيقة قيلت في سياق التقرير القصير، غير الإطار العام للقصة، أن مواطنا سعوديا، قتل في قنصلية بلاده، ولولا إثبات هذا الأمر من قبل القضاء السعودي النزيه والمتجرد، لم يثبت شيئ مؤكد حتى اليوم، سوى تخرصات خونة الوطن في الخارج، ويسار أمريكا المضلل.

كانت صيغة التقرير ظنية، جاءت بصيغة التمريض، لا تحمل معلومات ووثائق وأدلة، بل تحليلات وتنبؤات على غير أساس.

أما الحكومة السعودية فقد تعاملت مع القضية بخطوات سريعة وشفافة، بدأتها بقرار من الملك سلمان بالتحقيق في القضية واستجلاء حقيقتها، لتعلن بعدها النيابة العامة إيقاف 18 متهما بينهم مسؤولون في الاستخبارات، وعلى ضوء ذلك تم تشكيل لجنة برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لإعادة هيكلة رئاسة الاستخبارات، وتحديث نظامها ولوائحها، وتحديد صلاحياتها بشكل دقيق، وتقييم الإجراءات والأساليب والصلاحيات المنظمة لعملها، واستمرت النيابة العامة في تحقيقاتها وأصدرت عدة بيانات في أوقات مختلفة، لتبدأ بعدها فصول المحاكمة التي عقدت أولى جلساتها في 8 يناير 2019، وفي نهاية ديسمبر من العام 2019، صدرت أولى الأحكام القضائية الابتدائية بحق 8 متهمين قضت بالإعدام لخمسة منهم والسجن لثلاثة آخرين بعد التحقيق مع 31 شخصا، وفي سبتمبر 2020، أعلنت النيابة العامة إغلاق ملف القضية بصدور أحكام نهائية تقضي بالسجن على المتهمين لمدد تصل إلى 124 عاما، بعد التنازل الشرعي عن القصاص من أولياء الدم.

أخيرا، وكالة المخابرات المركزية CIA في لانغلي بولاية فرجينينا، أكبر منتج للمعلومات الاستخباراتية الأمنية من مصادر لا يمكن حصرها لتقديمها لصناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، وتحليلاتها في الخارج تغذي القرارات التي يتخذها صناع القرار في مجالي الأمن، والدفاع الوطنيين، وبالتالي هي لا تشرع السياسات الخارجية الأمريكية.

وما بعد الأخير، هناك حرب قذرة تدار ضد السعودية في أمريكا، وبوصول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض، فتحت الملفات التي أغلقتها حقائق القضاء السعودي من جديد، لأن الحرب علينا باختصار حرب قذرة.