ولأن الدولة هي في الأساس منظمة، ويُتعامل معها في النشوء والقوة وطريقة التصرفات مثلما يتم التعامل مع أية منظمة في الحياة، فإنه يمكن لي أن أسقط هذه النظرية أيضا على باقي المنظمات العاملة في الدول. ولذا يمكنني القول إن بعضا من منظماتنا، من الممكن أنها تعيش في ظل هذه النظرية دون أن تشعر أو تدرك.
غالبية الجهات الحكومية في المملكة، وخصوصا القديمة والمتجذرة منها، تعمل وفق ما يصدر لها من موازنات من وزارة المالية، وهذا هو الأمر الطبيعي بطبيعة الحال. ولذلك فإنها دون أن تشعر، بدأت تأخذ منحنى العيش وفق هذه النظرية. وأنا هنا لا أدعو إلى رفض الزيادات المالية في الاعتمادات السنوية، بل بالعكس، أدعو إلى المطالبة بمحاولة زيادة تلك الاعتمادات، ولكن بربطها بتطوير الوضع القائم في الجهة الحكومية، لبناء قاعدة مؤسسية تضمن تنويع مصادر الدخل التي من الممكن أن تعتمد الجهة عليها في مستقبل الأيام، وخصوصا تلك الجهات التي تم تشكيلها حديثا أو تم تغيير أنظمتها الداخلية لتصبح أكثر مرونة ورشاقة، مثل الهيئات والصناديق وغيرها.
في ظني أن من أهم الموارد التي يجب على الجهات الحكومية العمل على تنميتها، هو مورد رأس المال البشري. لأن العقول المفكرة والمتحركة هي التي تعمل دائما على تنمية موارد الجهات واستدامتها، وكذلك تنويع مصادر دخلها، ورفع مستوى وأثر أعمالها التي تقوم بها في المجتمع والدولة. ودون التركيز على هذا المورد، فإن كثيرا من الأعمال التي تقوم بها الجهات سوف يأتي يوم ما وتصبح أثرا بعد عين لأي سبب كان.
النقطة الأخيرة التي أرغب التوقف عندها، هي نقطة القوانين والأنظمة والتشريعات التي تعمل عليها وزارة المالية والجهات والمراكز التي تنظم هذا الأمر. من الواجب عليها أن تعطي مساحة نظامية للجهات الحكومية لكي تتحرك في هذا المضمار، وألا تضيق عليها الخناق في البحث عن تنويع مصادر الدخل، وكذلك يتوجب عليها أن تمنحها الموازنات التي تعطيها القدرة على تنمية رؤوس أموالها البشرية بشكل مختلف. لأن الرقابة التامة والقوية والخانقة، تضيق وبشكل كبير من مساحات المبادرة والإبداع والتميز والنجاح.