تعد الأرياف خزانة غذاء المجتمعات، ومنبع ثرواتها، وأساس اقتصادها، كما يقول الكاتب يحيى المالكي (فسكان الأرياف هم أصحاب المهن الإنتاجية في مجال الزراعة النباتية والحيوانية خارج أسوار المدن، التي تكون دائما موطن المستهلكين، وتركز الدول في أمنها الغذائي، وكفاءة اقتصادها على تنمية القطاع الإنتاجي، وفي المملكة نبعت فكرة برنامج التنمية الزراعية الريفية المستدامة كأحد مكونات برامج التحول الوطني).

ومن هذا المنظور طرحت إمارة منطقة عسير قبل سنوات قليلة فكرة (جائزة) لتشجيع الأهالي على إعادة المدرجات الزراعية لسابق عهدها، وتحقيق الفوائد الاقتصادية والبيئية والسياحية، وقد وضعت الخطط اللازمة للجائزة والدراسات والأبحاث ذات العلاقة بالموضوع وزارة البيئة والمياه والزراعة، وجامعة الملك خالد، والغرفة التجارية الصناعية بأبها، سعيًا لتطوير المفاهيم العامة للمساهمة في مثل هذا المنجز الوطني، واستيعاب فكرته ليحدث النقلة الحقيقية للزراعة في منطقة عسير، والعودة إلى الأرض وتطويعها واستثمار مخزونها، والذي يأتي ضمن الاستراتيجية الوطنية للبيئة، وتحقيق الأمن الغذائي.

هذه الفكرة تأتي في ظل ما يصيب الشعوب المصدرة للأغذية في العصر الحديث من جوائح وكوارث كالحرائق وانخفاض المخزون، وموجات الجفاف والتصحر واتفاقيات (الجات) التي تمنح الدول المصدرة الحق في فرض الحظر على صادراتها الزراعية بقصد منع أو تخفيف وطأة النقص الحرج أو الحاد في المواد الغذائية، أو المنتجات الأخرى التي تعد ضرورية لمواطنيها ولا غنى عنها.

ولذا تزامنًا مع فكرة إمارة منطقة عسير، أطلقت وزارة البيئة والمياه والزراعة المرحلة الأولى من تنفيذ مبادرة تأهيل المدرجات الزراعية، وتقنية حصاد مياه الأمطار في مناطق الجنوب الغربي من المملكة، بالتعاون مع مجلس الجمعيات التعاونية.

وتعد المبادرة إحدى مبادرات الوزارة ضمن رؤية المملكة 2030 بهدف تحقيق الأمن الغذائي والتنمية الريفية، وزيادة إنتاجية المحاصيل الاستراتيجية، وتعتمد المبادرة على أربعة محاور أساسية (استصلاح المدرجات الزراعية وتأهيلها، تطبيق تقنيات حصاد مياه الأمطار ونظم الري الحديثة، تطوير الزراعة المحصولية، تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية). بلغ عدد المستفيدين في المرحلة التمهيدية في أربع مناطق 500 مزراع، وتمثلت الخدمات في بناء الجدر والقطع الصخري للمدرجات، أعمال التسوية وبناء السدود الصغيرة، بهدف حصاد الأمطار، بناء خزانات مياه خرسانية، تركيب شبكات ري، توفير ترب زراعية، تقديم شتلات تجاوزت 40 ألف شتلة من البن والموز والرمان واللوز والخوخ والورد والعنب.

لكن المدرجات في عسير لم تكن مهيأة منذ فجر الكون لمثل هذه المزروعات على الرغم من أهميتها، فهذه المدرجات بكل ما قدمته من فوائد بيئية من حيث صيانة التربة، وحمايتها من الانجراف والتعرية، وحفظ المياه السطحية، وتحسين خواص التربة ورفع خصوبتها، وغيرها من الفوائد، إلا أنها كانت مصدرًا غذائيًا غنيًا من الحبوب قبل الفواكه والخضار، ومع هذا فهي لفتة رائعة ورؤوس أحلام سعيدة ومبشرة بأيام خضراء، تأكيد لمقولة: (إذا لم يكن طعامك من فأسك، فلن يكون قرارك من رأسك).

ترى لوعدنا إلى الزراعة هل سنسمع معجم الأرض ومفرداته مرة أخرى، وهل سيستوعبه أبناء اللحظة وجيل اليوم مثل (الحبلان، العاند، الدراجة، العجلة، المشنة، القرون، المقرنة، السحب، الرشا، اللومة، الغرب، المرسب، المسحاة، الشريم، الفطارة، العتلة، الكظامة، المضمد، الحميس، الحامي، المرجمة، الوفرة، العرقة، الزرب، العشر، المدفن، الحنطة، الصيب، النوب، المقالب، القياض، السميرا، العثري، المسقوي، البلسن، الحشوي، الثيل، الضريب، الحكل، الثقل، المنحى، المحثل، المغياض، التبشير، العزق، التلام، العقم، الركيب، الشطي، الفلي) وغيرها من المفردات الزراعية حفظها الآباء والأجداد عن ظهر قلب، حقا الطين يعرف ويحب كل الأقدام التي مرت عليه.